مسؤول نظام الملالي السابق، والذي يُحاكم الآن في السويد، هو مثال حي على ثقافة الإفلات من العقاب
بدأ مسؤول السجن الإيراني السابق حميد نوري هذا الأسبوع في تقديم دفاعه أمام المحكمة السويدية، وذلك في إطار محاكمة بدأت في أغسطس / آب الماضي بعد إدانته بارتكاب جرائم حرب وجرائم قتل جماعي. تم القبض على نوري في عام 2019 تطبيقًا لمبدأ الولاية القضائية العالمية، والتي تسمح للقضاء في أي دولة بمقاضاة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي. وتم توجيه الاتهام له بالمشاركة في مذبحة 30000 سجين سياسي التي حدثت خلال صيف عام 1988، وقد أدلى أكثر من 20 من الناجين من تلك المجزرة بشهاداتهم حول إساءة معاملته الممنهجة للسجناء ودوره في قيادتهم إلى “ممر الموت” حيث كان يتم استجواب المعتقلين بشأن انتماءاتهم السياسية ثم إرسالهم إلى حبل المشنقة على الفور.
في أعقاب التدفق الهائل للأدلة التي تدين حميد نوري، بدا دفاعه يائسًا وغير ذي جدوى. فقد تراوحت دفاعاته بين الادعاء بأنه كان في إجازة وقت وقوع المجزرة، إلى إنكار وقوع مثل هذه المجزرة من الأساس. حتى أن نوري قال ذات مرة: “لا يوجد سجن يسمى كوهردشت”، في إشارة إلى المنشأة التي يتذكر فيها الشهود تعرضهم للانتهاكات على يديه. من الصعب تخيل تحسن آماله في الحكم بالبراءة أو تخفيف العقوبة نتيجة إنكاره للواقع الواضح الذي لا يمكن إنكاره، لكن في هذه المرحلة، قد يتخيل المرء أن نوري ليس لديه أمل في تجنب السجن، وهو الآن يركز فقط على حفظ ماء وجه نظام الملالي المجرم.
ينعكس ذلك الاعتقاد في حقيقة أن نوري استغل وقته في المحكمة للإشادة بنظام الملالي ومسؤوليه. كما أدان أحد الشهود لوصفه قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع لقوات حرس الملالي الذي قُتل في غارة جوية أمريكية عام 2020، بأنه مجرم. كما حاول تعزيز وهم العملية الديمقراطية في جمهورية الملالي بالإشارة إلى إبراهيم رئيسي على أنه “رئيسها الشعبي”. في الواقع، تم “تعيين” رئيسي على رأس النظام في يونيو/ حزيران بعد استبعاد جميع المرشحين الآخرين من الاقتراع، وقاطعت الغالبية العظمى من الناخبين التصويت احتجاجًا على ذلك الإجراء.
ومن الجدير بالذكر أن تلك المقاطعة كانت مدفوعة ليس فقط بعدم وجود خيار في انتخابات يونيو/ حزيران، أو في الانتخابات بشكل عام، ولكن أيضًا بسبب الخلفية المجرمة للفائز بشكل مسبق في سباق الانتخابات. كما أشاد نوري بإبراهيم رئيسي أثناء المحاكمة، كونه أحد زملائه في مذبحة عام 1988، حيث كان رئيسي هو أحد المسؤولين الأربعة الذين شاركوا في “لجنة الموت” التي أشرفت على عمليات الإعدام في سجني إيفين وكوهردشت.
مسؤول نظام الملالي السابق، يُحاكم الآن في السويد
كما ذكر العديد من الشهود في محاكمة نوري العديد من المواقف مع إبراهيم رئيسي ووصفوه بأنه ملتزم بشكل كبير بتطبيق فتوى خميني فيما يتعلق بالمعارضة المنظمة لنظام الملالي، على أوسع نطاق ممكن. وقد خصّت هذه الفتوى مجموعة المعارضة المؤيدة للديمقراطية، وهي منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، حيث أعلن خميني أن جميع المؤيدين لتلك الجماعة مذنبون بـ “العداء لله” وبالتالي يخضعون لعقوبة الإعدام. وأكد خميني في الفتوى من خلال إصدار أوامر للسلطات “بالقضاء على أعداء الإسلام على الفور”، وقد استغلّ علماء القانون مؤخرًا هذه اللغة للإيحاء بأن مذبحة عام 1988 قد تُصنف على أنها إبادة جماعية ضد المؤمنين باعتقادات شكلت تحديًا لنظام الملالي الأصولي.
وفي يوليو/ تموز الماضي، تحدث جيفري روبرتسون، محامي حقوق الإنسان البريطاني، في مؤتمر نظمّه المجلس الوطني للمقاومة من أجل مناقشة حفل تنصيب رئيسي والاستجابة الدولية المناسبة. أكدّ روبرتسون أن اتفاقية الإبادة الجماعية تلزم جميع الدول التي صدّقت عليها باتخاذ إجراءات في المواقف التي تحدث فيها مثل هذه الجريمة ضد الإنسانية أو التي لم يُعاقب عليها في الماضي. وأشار متحدثون آخرون إلى أن لائحة اتهام حميد نوري كانت بمثابة اختبار للولاية القضائية العالمية وتطبيقها على مذبحة عام 1988، وخلصوا إلى أنه لن يكون هناك عقبة قانونية أمام اعتقال رئيسي على أساس نفس المبدأ، إذا سافر إلى أي دولة غربية كرئيس لنظام الملالي.
ولكن للأسف الشديد، لم تشر أي حكومة حتى الآن إلى أنها تنوي متابعة المساءلة عن المذبحة على نطاق أوسع. ولكن بالنظر إلى أن رئيسي قد رفض الحضور إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2021 في غلاسكو، يبدو أن ثقة النظام في إفلاته من العقاب تضاءلت بشكل كبير. في الواقع، قد يكون قرار رئيسي بتجنب المملكة المتحدة متأثرًا بحقيقة أن بعض المشرّعين أصدروا دعوات رسمية لاعتقاله وقدموا ملفًا عن مذبحة عام 1988 إلى السلطات الإنجليزية الإسكتلندية.
وأعرب هؤلاء المشرّعون عن أملهم في أن تؤدي التحقيقات المحلية في هذه القضية إلى تمهيد الطريق أمام لجنة تحقيق في الأمم المتحدة. ولطالما دافع المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية عن هذا الإجراء، وقد انضمّت إليه في السنوات الأخيرة منظمة العفو الدولية والعديد من المقررّين الخاصين للأمم المتحدة. كما أقرّ كل منهم بأن لجنة التحقيق أصبحت أكثر إلحاحًا في أعقاب تعيين رئيسي في منصب الرئاسة، وهو الأمر الذي أشارت إليه منظمة العفو الدولية على أنه “تذكير مروّع بأن الإفلات من العقاب يسود في إيران”.
وبقدر ما يتم الآن تحدي ثقافة الإفلات من العقاب من قبل محاكمة نوري، فمن المهم أن نتذكر أنه بعد 33 عامًا، أصبح الشخص الوحيد الذي يواجه أي تداعيات قانونية للمشاركة في أكبر جريمة يرتكبها نظام الملالي ضد الإنسانية. علاوة على ذلك، فإن تعليقه المتحدي أمام المحكمة السويدية ينمّ عن حقيقة أن نظام الملالي لا يزال لديه سبب لتوقع مصالحة أكثر من مساءلة الحكومات الغربية. سوف يتطلب الأمر مقاضاة أكثر صرامة، وعلى مستوى أعلى بكثير، لإقناع النظام بأن العالم لن يغض الطرف بعد الآن عن جرائمه وانتهاكاته لحقوق الإنسان.