المعلمون يتحملون وطأة السياسات التمييزية للنظام
تعرضت حقوق المعلمين الإيرانيين للانتهاك بشكل ممنهج خلال 42 عامًا من حكم الملالي، ولم يتم أخذ مطالبهم في الاعتبار في الموازنة العامة للعام المقبل. يشكّل المعلمون حضوراً متزايداً في السياسة والمجتمع الإيراني، وقد قادوا الاحتجاجات ضد نظام الملالي في السنوات الأخيرة بشكل مستمر. ظهر إضراب للمعلمين والدعوات لتحقيق العدالة بعد إضراب آخر على مستوى البلاد من قبل سائقي الشاحنات، استمرارًا للانتفاضة التي بدأت في يناير/ كانون الثاني 2017.
احتجاج المعلمون الأيام الثلاثة وملابساته
خلال الأسبوع الماضي، نظمّ المعلمون الإيرانيون احتجاجًا على مستوى البلاد لمدة ثلاثة أيام. دعا المجلس التنسيقي للمعلمين جميع المعلمين إلى الاحتجاج والتعبير عن مطالبهم. كما تم تنظيم إضراب عام للمعلمين يومي 11 و12 ديسمبر / كانون الأول. لكن في 13 ديسمبر/ كانون الأول، تحولت إلى وقفة احتجاجية، حيث انضمّ أصحاب المعاشات إلى المعلمين النشطين.
انتشرت الاحتجاجات في أكثر من 200 منطقة ومدينة في جميع أنحاء إيران، ولم تقتصر مطالب المعلمين على مظالمهم فقط، بل قاموا بتسليط الضوء على الألم الذي تشعر به جميع قطاعات المجتمع الإيراني.
قامت قوات الأمن بالهجوم على احتجاج المعلمين في يومه الثالث، خوفًا من استمرار نموه.مثلما فعلت مع احتجاجات المزارعين في أصفهان الشهر السابق، وهتف المحتجّون للتنديد بالرد الذي جاء من النظام ووصفوه بـ “المخزي” بينما قامت السلطات خارج مبنى البرلمان بالضرب والاحتجاز المؤقت لعدد من ممثلي فئة المعلمين، بمن فيهم رسول بداغي، مفتش نقابة المعلمين، وهددوا بطرد آخرين. وخوفًا من رد الفعل العنيف على اعتقال بداغي، اضطرت السلطات إلى إطلاق سراحه بشكل مشروط بعد بضعة أيام.
نتيجة للوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي، والذي يتجلى بشكل خاص في ارتفاع أسعار السلع ونسب التضخم، فإن المعلمين الإيرانيين في وضع معيشي صعب للغاية. عادة ما تكون رواتبهم الحكومية تحت خط الفقر، على النحو المحدد من قبل الحكومة، وكانوا يحتجّون لفترة طويلة لتلبية مطالبهم. لكن الحكومة تتجاهل تلك المطالب، بل وتُخضع المعلمين للقمع والاعتقال والترهيب. ومع ذلك، فإن المعلمين الشجعان لم يتخلوا عن طلبات مثل قانون التصنيف، وقانون المساواة في المعاشات، والتعليم المجاني والإفراج عن المعلمين المعتقلين.
ذكرت وسائل الإعلام التابعة للنظام مؤخرًا أنه: “وفقًا لمشروع قانون تصنيف المعلمين الذي أقرته لجنة التعليم بالبرلمان، يجب أن تصل رواتب المعلمين إلى 80 بالمئة على الأقل من رواتب أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، لكن مسؤولي النظام يقولون إنه لا يوجد تمويل كافٍ لتنفيذ مثل هذا القانون”.
خطة تصنيف المعلمين في برلمان النظام
في 15 ديسمبر/ من كانون الأول، بعد مظاهرة للمعلمين على مستوى البلاد، قام برلمان النظام أخيرًا، وبعد تأخير دام 10 سنوات في عدم رصد تلك الأموال للمعلمين، بتصنيف المعلمين وزيادة رواتبهم بنسبة ضئيلة. لكن نتيجة للتضخم الهائل، ظلّ هذا الراتب تحت خط الفقر.
في الموازنة العامة لعام 1401 بالتقويم الفارسي، رفعت حكومة إبراهيم رئيسي ميزانية قوات حرس نظام الملالي بأكثر من 900 تريليون ريال. والذي يمثل زيادة بنسبة 240٪ عن العام السابق. بالإضافة إلى ذلك، تم تخصيص حوالي مليار يورو لقوات حرس نظام الملالي وحدها لمشاريع تصدير الإرهاب والصواريخ وما شابه.
فيما زادت ميزانية التعليم بنسبة 14٪ أو 1300 تريليون ريال. ومع ذلك، فإن العجز في مدفوعات رواتب المعلمين وأصحاب المعاشات لهذا العام والعام الماضي لا يزال من 20 إلى 30بالمئة من ميزانية التعليم. وبالتالي، من الواضح أن المعلمين والتعليم يمثلون أولويات متدنية للغاية بالنسبة لميزانية نظام الملالي.
لم ينس الإيرانيون أنه قبل عامين، في يوم مقتل قاسم سليماني، دفع خامنئي 200 مليون يورو (ما يقرب من 50 تريليون ريال) لمرتزقته في فيلق القدس الإرهابي للحفاظ على حالتهم النفسية والمعنوية. أثارت تلك الممارسات العديد من التساؤلات حول كيف يمكن للنظام أن ينفق الأموال على مرتزقته في اليمن وسوريا ولبنان والعراق، ويزيد ميزانية القوات القمعية بشكل متحرّر، لكن يفتقر إلى مساحة في الميزانية لرفع الحد الأدنى لرواتب المعلمين؟
يكمن المطلب الأساسي للمعلمين الإيرانيين، كما هو الحال في بقية العالم، في ألا تكون رواتبهم تحت خط الفقر، وعندما يكون خط الفقر هو 12 مليون تومان، يجب أن تصل رواتب المعلمين على الأقل إلى هذا المستوى.
أصدر مجلس التنسيق النقابي للمعلمين بيانًا للاحتجاج على عدم اكتمال قانون التصنيف بمجلس النواب ومعارضة الحكومة لتطبيقه، حيث جاء في البيان: “ولم يلتفت البرلمان في قراره إلى احتجاجات المعلمين. كما اعتبر الاتحاد أن الموافقة غير المكتملة على قانون التصنيف بمثابة استهزاء بالمعلمين”.
كما احتجّ المجلس على البرلمان والحكومة، معلنًا أن القرار المفروض غير مقبول لدى المعلمين، وحذرّ الحكومة والبرلمان من معارضة إرادة وحقوق المعلمين. وأعاد المجلس التأكيد على مطالب المعلمين، كما ذكر أيضًا أنه سيواصل بقوة الترتيب الكامل ومعادلة رواتب المتقاعدين والموظفين، فضلًا عن إطلاق سراح المعلمين المعتقلين.
عقب دعوة المجلس لتنظيم وقفات احتجاجية على مستوى البلاد في العاصمة طهران وغيرها من المدن ومراكز المحافظات يوم الخميس، 23 ديسمبر/ كانون الأول، قام المئات من المعلمين بتلبية تلك الدعوات، حيث بدأت الاحتجاجات في الظهور في أكثر من 100 مدينة على مستوى البلاد. وتم تنظيم الاحتجاجات رغم أن المسؤولين وقوات الأمن استدعوا في الأيام السابقة العديد من قادة الاحتجاج أو أرسلوا رسائل نصية قصيرة إلى المعلمين تحذرهم من عواقب تلك الاحتجاجات. وفي العاصمة طهران، حاول النظام تفريق المعلمين أثناء خروجهم من محطات المترو، لكنهم تجمعوا مرة أخرى بعد مغادرة المحطات.
وتجمع الآلاف خارج منظمة التخطيط والميزانية ورددوا هتافات “أطلقوا سراح جميع المعلمين المعتقلين” و “أطلقوا سراح جميع السجناء السياسيين”. وفي شيراز، عاصمة محافظة فارس الجنوبية، تحدى آلاف المعلمين الوجود الكثيف لقوات الأمن ووصفوها بـ “عديمي الشرف”. وفي مدينة مشهد شمال شرق البلاد، ثاني أكبر مدينة في إيران، حاولت قوات الأمن تفريق المعلمين المحتجّين باستخدام رذاذ الفلفل.
أشادت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية (NCRI)، بالمعلمين المحتجّين، مضيفة: “مع احتجاجاتهم الشجاعة اليوم، أظهر المعلمون الإيرانيون أنهم لن يتراجعوا على الرغم من الخطط الخادعة والتهديدات والإجراءات القمعية لنظام الملالي. حركة المعلمين ستستمر حتى تلبية مطالبهم “.