نظام الملالي يتوعد، بينما تعتبره الحكومة الكندية المسؤول عن الوفيات بين المدنيين
أصدرت محكمة كندية قبل یومین حكمًا بوجوب دفع نظام الملالي ما يعادل 84 مليون دولار لأسر 85 مواطنًا كنديًا ومقيمًا دائمًا قُتلوا في يناير/ كانون الثاني 2020 عندما أسقطت قوات حرس نظام الملالي رحلة الخطوط الجوية الدولية الأوكرانية 752. من المؤكد تقريباً أن يتجاهل النظام نتيجة تلك الدعوى المدنية. ومع ذلك، أشار محامو المدّعين إلى أن مصادرة الأصول المملوكة للنظام في كندا هي وسيلة لتأمين ولو جزء قليل من التعويض.
ولا تزال دعاوى قضائية مماثلة معلّقة في دول أخرى كان مواطنوها على متن الرحلة. في المجموع، قُتل 176 شخصًا عندما أصاب صاروخ تابع لقوات حرس نظام الملالي الطائرة بعد لحظات من إقلاعها من مطار العاصمة طهران في طريقها إلى كييف بأوكرانيا. نفت سلطات النظام مسؤوليتها في البداية، لكن بعد أيام في مواجهة أدلّة من وكالات الاستخبارات الغربية ولقطات فيديو محلية، أُجبرت على التخلي عن تلك الروايات السخيفة.
منذ ذلك الحين، جادل نظام الملالي بأن ذلك كان نتيجة فشل مشغلّي الدفاع الجوي في التمييز بين طائرة مدنية وصاروخ أجنبي خلال فترة التوترات المتصاعدة فور هجوم النظام على الأصول الأمريكية في العراق انتقامًا لمقتل قائد فيلق القدس التابع لقوات حرس نظام الملالي، قاسم سليماني. في غضون ذلك، قللّ النظام من شأن أي إهمال أو إجرام وحجب الصندوق الأسود للطائرة.
في تقرير فبراير/ شباط 2021، صرّحت أنياس كالامار، التي كانت مسؤولة آنذاك في الأمم المتحدة، إن النظام سعى إلى “خلق أقصى قدر من الارتباك والحد الأدنى من الوضوح”. بحلول منتصف العام، نجحت الحكومة الكندية في إجراء تحقيق جنائي خاص بها في الحادث وحملّت النظام المسؤولية الجنائية. ومع ذلك، استمرّ نظام الملالي في رفض الدعوات الدولية للمساءلة.
في حين أن الحكم الأخير للمحكمة الكندية لا يرقى إلى مستوى المساءلة، إلا أنه قد يبعث الأمل في اتخاذ المزيد من الإجراءات من قبل الحكومة الكندية أو غيرها من الحكومات. في مايو/ أيار، أعلن القاضي إدوارد بيلوبابا أن “الهجمات الصاروخية كانت متعمدة” وأن “إسقاط الطائرة المدنية يشكّل نشاطًا إرهابيًا بموجب القانون الفيدرالي المعمول به”. وفي يوم الاثنين، رحبّ جونا أرنولد، محامي المدّعين، بالحكم باعتباره “سابقة” و “الأول من نوعه في كندا”. يبقى أن نرى ما هي الإجراءات الملموسة التي ستأتي بعد الحكم.
وظهر أقارب بعض الضحايا في مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء. عندما تعطل البث بالفيديو للمؤتمر، نمت الشكوك حول جهد منسق من قبل نظام الملالي لمواجهة رسالة أسر الضحايا وأنصارهم. لم تتحدث تلك العائلات بعد عندما تحول الفيديو إلى فيديو راب بذيء وظهر رجل مجهول على الشاشة، مما أجبر منظمي الحدث على إعادة بدء اجتماع زووم بالكامل. كما تم الإبلاغ عن عمليات القرصنة من قبل النظام في جميع أنحاء العالم على نطاق واسع في السنوات الأخيرة.
هذا العام، فعل النظام كل ما بوسعه لإحياء ذكرى سليماني بطريقة غير مسبوقة، وذلك في المقام الأول للتغطية على ضعفه وعدم قدرته على الانتقام من القضاء على العقل المدبر للإرهاب في عام 2020. وكان رد النظام الوحيد حتى الآن هو إسقاط طائرة ركاب أوكرانية في محاولة واضحة لإلقاء اللوم على القوات الأمريكية ولكن دون جدوى.
في الآونة الأخيرة، كررّ رئيس نظام الملالي إبراهيم رئيسي تعهد النظام بالانتقام من مقتل قاسم سليماني. وطالب رئيسي بمحاكمة دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي وقت تنفيذ عملية القتل، أمام محكمة يديرها الملالي إلى جانب وزير الخارجية السابق مايك بومبيو. وبشكل منفصل، أوضح المدعي العام الإيراني، محمد جعفر منتظري، أن النظام قد حددّ ما مجموعه 125 “مشتبهًا” إضافيًا، من بينهم 72 مواطنًا أمريكيًا، باعتبارهم مسؤولين على الأرجح عن القضاء على سليماني.
وصرّح إبراهيم رئيسي في خطابه قبل البدء في تهديده بقتل ترامب على أيدي أتباع المرشد الأعلى للنظام إذا لم يتم تقديمه للمحاكمة، حيث قال أن “المعتدي والقاتل والمذنب الرئيسي – هو رئيس الولايات المتحدة آنذاك – يجب مقاضاته ومحاكمته بموجب قانون القصاص، كما يجب تنفيذ حكم الله ضده.” لا شك في أن الخطاب كان يهدف إلى التلميح إلى أن علي خامنئي قد يصدر فتوى تطالب باغتيال ترامب وآخرين غيره.
في عام 1989، أصدر سلف خامنئي، روح الله خميني فتوى مماثلة ضد المؤلف سلمان رشدي بسبب نشر كتاب اعتبره مسيئًا للدين. وأدّى ذلك المرسوم إلى عدة محاولات لاغتياله وحياة مترجميه، حيث تم طعن أحدهم حتى الموت عام 1991. ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان مرسومًا مشابهًا سيثير نفس الرد اليوم، بعد أكثر من 40 عامًا من ثورة الملالي في إيران، عندما تدهورت النظرة العامة للنظام بشكل مطرد في مواجهة معارضة المنظمات القوية المؤيدة للديمقراطية.
في يناير/ كانون الثاني 2018 ونوفمبر/ تشرين الثاني 2019، بالكاد نجا النظام من انتفاضة عمّت البلاد تضمنت هتافات “الموت للديكتاتور” ودعوات صريحة لتغيير النظام. في خطاب ألقاه في ذروة الانتفاضة الأولى، اعترف خامنئي بأن حركة المعارضة الرئيسية، منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، لعبت دورًا رئيسيًا في تنظيم وقيادة الاضطرابات. منذ ذلك الحين، حذرّت السلطات مرارًا وتكرارًا من النفوذ المتزايد للمنظمة، ويمكن القول إن هذه التحذيرات أصبحت أكثر يأسًا في أعقاب تصفية قاسم سليماني، والذي كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه إضعاف خطير للنفوذ الإقليمي لنظام الملالي.
ووصفت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للائتلاف الديمقراطي، المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، والذي يضم منظمة مجاهدي خلق في عضويته، مقتل سليماني بأنه “ضربة لا تعوض لنظام الملالي”. وفي يوم الثلاثاء الماضي، أصدر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بيانًا وصف فيه النظام بأنه “لا يزال يترنّح بشأن تصفية سليماني” بعد عامين. واختتم البيان بالقول إنه ينبغي اعتبار الأنشطة الخبيثة الأخيرة علامات ضعف ويأس وليست علامات قوة.
ردًا على تهديدات النظام وعدم تعاونه مع المجتمع الدولي، لا سيما فيما يتعلق بالإسقاط الإجرامي للرحلة 752، يجب على المجتمع الدولي تبنّي سياسة حازمة وحاسمة، ترفض استرضاء الدولة الراعية للإرهاب في العالم. من الواضح أن إسقاط طائرة الركاب المدنية كان عملاً من أعمال الإرهاب المتعمد الذي يجب أن تُحاسب عليه قوات حرس نظام الملالي والنظام بأكمله على الفور. بخلاف ذلك، سوف يترتب على ذلك المزيد من المآسي.