إيران: خطاب النظام بشأن المحادثات النووية ينذر بالخوف من تنازلات غربية جديدة
استمرّ نظام الملالي في إعطاء الانطباع بأنه يسيطر على المحادثات النووية مع القوى العالمية الست بشأن برنامجه النووي يوم الاثنين الماضي، عندما رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية، سعيد خطيب زاده، فكرة أن المناقشات الجارية في فيينا قد تؤدي إلى اتفاق مؤقت يمنع الانهيار التام للاتفاق النووي الإيراني لعام ،2015 لكنه فشل في استعادة الامتثال الكامل له. كان هذا الاتفاق على شفا الانهيار منذ عام 2018، عندما أوقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مشاركة الولايات المتحدة وبدأ في إعادة فرض وتوسيع العقوبات الاقتصادية على نظام الملالي.
على الرغم من إبقاء كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين على خطة العمل الشاملة المشتركة، سرعان ما بدأ نظام الملالي في انتهاك التزاماته بشكل واضح، وفي نهاية المطاف، دفع برنامجه النووي إلى نقطة تجاوز مستويات تخصيب اليورانيوم المتفق عليها. كما قام النظام بإضافة أعداد كبيرة من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي يمكن أن تسرع بشكل كبير عملية تخصيب اليورانيوم بدرجة أكبر حتى تصل إلى درجة صنع الأسلحة النووية، بالإضافة إلى إنتاج كميات صغيرة من معدن اليورانيوم، وهي مادة ليس لها دور عملي سوى كأحد مكونات رأس حربي نووي.
لقد ساعد كل هذا في إثارة القلق العام بشأن عملية “الاختراق” لحدود قدرات الأسلحة النووية في إيران، مما دفع المسؤولين من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا للتحذير من أن الوقت ينفد بالنسبة لمحادثات فيينا، وأن نظام الملالي يجب أن يبدأ عملية التفاوض “بحسن نية” من أجل إنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة. حتى أن بعض المسؤولين ذهبوا إلى حد القول إن العمل العسكري مطروح على الطاولة إذا لم يتراجع نظام الملالي عن مطالبه بتخفيف العقوبات بشكل شامل ودون أي شرط مسبق. ومع ذلك، لا يوجد حاليًا أي دليل على حدوث تغيير في نهج النظام تجاه المفاوضات، ومع ذلك فإن جميع الأطراف في محادثات فيينا إما تشيد بالتقدم الذي أحرزته أو تُظهر اهتمامًا متجددًا بتمديد عملية المفاوضات على أمل حدوث انفراجة.
إذا كانت هناك أي علامة على التغيير من قبل نظام الملالي، فهي تأتي في شكل تصريحات خطيب زاده بأنه قد تم إحراز تقدم في “جميع القضايا الأربع” خلال الجولة الأخيرة من المفاوضات، وهي الجولة الثانية التي ستُعقد في فيينا منذ استئناف العملية الشاملة في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني بعد توقف دام خمسة أشهر بدأه الرئيس المعيّن إبراهيم رئيسي. حتى الآن، تقول إدارته إنها تتوقع أن تركز المحادثات الأخيرة على قضية واحدة فقط: ألا وهي رفع العقوبات. لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية، في توضيح روايته للتقدم الأخير، قد حددّ “القضايا النووية” كأحد موضوعات النقاش.
من غير المرجّح أن ينظر منتقدو النظام إلى هذا على أنه تنازل كبير. فكل من القضايا الثلاث الأخرى التي ذكرها خطيب زاده كانت مجرد اختلافات في المطالب الأساسية للنظام. كما أكدّ أنه تم إحراز “تقدم جيد” نحو “رفع العقوبات” وكذلك تزويد النظام بـ “اليقين” و “الضمانات” فيما يتعلق بآثار واستمرارية التخفيف المعني للعقوبات. في حين وصف خطيب زاده هذا التقدم المفترض بأنه “نتيجة الجهود التي بذلتها جميع الأطراف للتوصل إلى اتفاق مستقر”، ولكنّ رئيسه في وزارة الخارجية قد اتخذّ نبرة أكثر تصادمية في التعليق على الموضوع نفسه.
عزا وزير خارجية النظام، حسين أمير عبد اللهيان، الفضل في “المبادرات من جانب نظام الملالي” إلى إجبار القوى الغربية على تقليص مطالبها. ووصف المفاوضين الفرنسيين بأنهم لعبوا “دور الشرطي السيئ” في جولات المفاوضات السابقة، لكنه قال إن فرنسا الآن “تتصرف بشكل معقول”. كما تفاخر بأن الولايات المتحدة كانت تقبل “حقائق” الوضع الذي يكمن وراء هذه المفاوضات، مما يعني ضمناً أن النظام لديه نفوذ أكبر في المحادثات مما كان معترفًا به سابقًا.
ظهرت بوادر على تلك الثقة في الأسبوع الماضي عندما قام بعض مسؤولو النظام بمطالبة كوريا الجنوبية بالإفراج عن الأصول المجمدة، بغض النظر عن حالة العقوبات الأمريكية ونتائج محادثات فيينا. كما أعلن النظام في الأسبوع الماضي عن توقعه أن يواجه المسؤولون الأمريكيون الحاليون والسابقون، بمن فيهم دونالد ترامب، المحاكمة أمام “محكمة إسلامية” بشأن القضاء على القائد الإرهابي الأعلى في نظام الملالي، قاسم سليماني في يناير/ كانون الثاني2020. بل وتجاوز الأمر أكثر من ذلك، حيث أعلنت سلطات نظام الملالي يوم الاثنين الماضي توقيع عقوباتها الخاصة على أكثر من 50 أمريكيًا.
جاء رد الولايات المتحدة على هذا الإعلان سريعًا، وذلك من خلال اتهام النظام في العاصمة طهران بممارسة “التهديدات والاستفزازات“، وأكدّ مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض “جيك سوليفان” أن نظام الملالي سيواجه “عواقب وخيمة” لأي هجمات على الأفراد الذين أعلن نظام الملالي أنهم خاضعين لعقوبات، وذلك سواء من قبل النظام نفسه أو من قبل أي من وكلائه الإقليميين.
بكل المقاييس، لم يكن هناك أي تغيير ملموس لأكثر من ستة أسابيع منذ استئناف محادثات فيينا – على الأقل ليس بالطرق التي تفيد الأطراف المفاوضة الغربية. في الواقع، تحدث المسؤولون الأمريكيون إلى نظرائهم الكوريين الجنوبيين في وقت قريب من طلب إيران بفك الحظر عن الأصول المجمدة، مما أدّى إلى الكثير من التكهنات بأن البيت الأبيض كان على وشك تحدي النصيحة التي قدمها له جميع منتقدي النظام، وتقديم تنازلات جديدة غير مكتسبة كوسيلة لإبقاء نظام الملالي حاضرًا في المفاوضات التي تعاملوا معها باستمرار مثل لعبة القط والفأر كما يسميها الإيرانيون.