الاتحاد من أجل الحرية والديمقراطية والمساواة​

الحد الفاصل بين الثورة الديمقراطية وبين نظامي الشاه والملالي 

انضموا إلى الحركة العالمية

الحد الفاصل بين الثورة الديمقراطية وبين نظامي الشاه والملالي

الحد الفاصل بين الثورة الديمقراطية وبين نظامي الشاه والملالي 

الحد الفاصل بين الثورة الديمقراطية وبين نظامي الشاه والملالي 

 د. / بهروز بويان 

نعيش الآن في الشهر الثاني من الانتفاضة الثورية للشعب الإيراني، وهذا أمر غير مسبوق في تاريخ نظام ولاية الفقيه. إذ أن استمرار الانتفاضات الوطنية ضد نظام الملالي برمته لأكثر من شهر واتساعها هو الذي جعل جميع الإيرانيين داخل إيران وخارجها ينخرطون فيها بشكل متكامل وموَّحد؛ منذ أن بدأ مجاهدو خلق الثورة الإيرانية الديمقراطية اعتبارًا من عام 1981 على الأقل حتى يومنا هذا.  

وهذه هي القضية الفريدة التي ربما لم يكن نظام الملالي يتوقعها بهذه الأبعاد، وتنبأ بها مجاهدو خلق والمقاومة الإيرانية وليس غيرهم، حيث كانوا يرون ذلك في أفق هذا النظام الفاشي المتعطش للدماء.  

ونجد الآن أن الانتفاضة الثورية للشعب الإيراني قد مرَّت بمراحل مصيرية، ولم تترك خيارًا آخر لنظام الملالي والمجتمع سوى الانشغال بالمستقبل والتطورات الجوهرية والثورية.  

والجدير بالذكر أن استمرار الانتفاضة في أسبوعها الثاني أدى إلى تثبيتها، وسرعان ما أصبحت صعبة المراس. وسعى الكثيرون إلى أن ينسبوا استمرار الانتفاضة في أسبوعها الثاني إلى شفقة نظام الملالي وسعة صدره. وكانوا يقارنونها بالمجزرة والقمع الدموي لانتفاضة نوفمبر 2019 التي أسفرت عن استشهاد ما لا يقل عن 1500 فرد، بيد أن هذه النظرية تبدَّدت عندما قام النظام بارتكاب المجزرة في مدينة زاهدان، ومدن كردستان على وجه التحديد، حيث قتل الأطفال والمراهقين بطريقة وحشية بشعة.

  

وأثبتت تلك المجزرة أن نظام الملالي لا يعترف بأي اعتبار لتكرار أشكال القمع الدموي والحقيقة هي أنه لو استطاعت الانتفاضة استمرارها فلا علاقة له بشفقة وسعة صدر الولي الفقيه، بل إن موقف نظام الملالي والمجتمع الإيراني الثوري في مواجهة بعضهما البعض لايسمح للنظام رغم استخدام كافة وسائل نظام الملالي للقمع، ومن بينهم الباسيج، وقوات حرس نظام الملالي، والشرطة، وشرطة الإنترنت، والمرتزقة المحليون والأجانب، وقنوات قوات حرس نظام الملالي المتلفزة، بالحيلولة دون مضي الحركة التقدمية للانتفاضة الثورية للشعب الإيراني قدمًا في طريقها و لم يعد لهم القدرة على ذلك.  

وبما يتعلق بنظام الملالي فإنه قد جرَّب شتى الطرق حتى لا يصل إلى ما هو فيه الآن؛ بدءًا من القمع وارتكاب المجازر الدموية، وصولًا إلى الإصلاحية الزائفة الكاذبة، ولجأ في نهاية المطاف إلى المشروع الافتراضي المتمثل في إثارة موضوع العودة إلى نظام الشاه.  

كما كان نظام الملالي، خلال كل هذه السنوات العديدة، وتحديدًا في مرحلة اللعب بالإصلاحات الوهمية، والمشروع الوهمي بإثارة موضوع الشاهنشاهية السابقة؛ دائمًا ما يقرع طبول “النضال المدني” و “اللاعنف” و “إطلاق مسيرة الصمت” و “الإشادات المقزِّزة بالباسيح وقوات حرس نظام الملالي الإرهابيين”، بيد أن الأسلوب الذي اتبعه الإيرانيون في هذه الانتفاضة الثورية أحرق كل هذه الأوراق.  

فعلى سبيل المثال، نجد أن فلول الشاه المقبور تعهَّدوا بالسيطرة على الانتفاضة في مهدها بدلًا من خامنئي، وكانوا يدعون المواطنين إلى البقاء في منازلهم، وإضاءة الشموع في بيوتهم حدادًا على مهسا أميني! وعندما لم يستجب لهم المواطنون، واشتعلت الانتفاضة الثورية للشعب الإيراني، وانقضت على قوة نظام الملالي المعنية بالقمع؛ نهض هؤلاء الفلول وهم ينتابهم القلق لدعم قوات حرس نظام الملالي والباسيج التابعين لخامنئي، وهما القوتان الرئيسيتان للقمع والقتل والعدوان، إلا أنه عندما مضت هذه الانتفاضة قدمًا في طريقها، ظهرت فلول الشاه فجأة بالوقوف بجانب ثورة الشعب أملًا في أن يتمكنوا من عمل شيء في أي مرحلة لإيقاف الانتفاضة.  

بيد أن انتفاضة الشعب لم يعد بإمكانها التوقف ولا العودة إلى الماضي، إنطلاقًا من المراحل التي مرت بها. ولذلك، فهي تستحق أن يُطلق عليها لقب “الثورة الديمقراطية للشعب الإيراني” ليس إلا.  

إن هذه الانتفاضة تُعتبر ثورة، نظرًا لأن المواطنين أنفسهم يعتبرونها ثورة، ويقولون: “لا تسمونها احتجاجًا، إذ أن اسمها ثورة”، فضلًا عن أن الطريقة العملية المتبعة لمواجهة عناصر النظام هي بالضبط نفس نمط عمل وعمليات وحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية، بوصفها قوة ثورية، أي أن “الحديد لا يفلَّه إلا الحديد”، أنَّ القُوُّة لا تُقَابل إلاّ بالقُوَّة وهذا هو ما كان يخشاه جميع المنافسين اليوم، وخاصة فلول ديكتاتورية الشاه.  

كما أن هذه الانتفاضة الثورية ذات طبيعة ديمقراطية؛ كونها تشمل المجتمع الإيراني برمته داخل البلاد وخارجها وتضم الإيرانيين من كل فئة وحرفة وطائفة وجيل. وقد سعى الكثيرون وما زالوا يسعون إلى الحط من قيمة هذه الثورة واختزالها إلى قضية النوع الاجتماعي أو الجيل أو حتى إلى “احتجاج” على الحجاب الإجباري، (وليس ثورة) على سبيل المثال، بغية التستر على جانبها الثوري، واستبعاد مضمونها الديمقراطي. واستنادًا إلى أنه لم تتم تلبية مطالب الشعب الإيراني، بما في ذلك كل المطالب المشار إليها، فإن الحل الوحيد لكل هذه القضايا هو اندلاع ثورة ديمقراطية.  

شعار الانتفاضة وتحركها الاستراتيجي 

إن أي انتفاضة شاملة تؤدي من الناحية النظرية إلى ثورة، فهي من حيث المبدأ لا تفتقر إلى الرصيد التاريخي، أي أنه قد تم مسبقًا تشكيل قوة ثورية، وهي الدافع والضامن لاستمرار وانتصار تلك الانتفاضة الثورية. فضلًا عن أن الانتفاضة دائمًا ما تندلع فور حدوث حدث ما أو ما يسمى بالشرارة. وقد تتمثل هذه الشرارة في مطلب ما يتعلق بالحياة المعيشية أو السعي لنيل إحدى الحريات الأساسية. إلا أنه لا يمكن على الإطلاق الحط من قيمة تلك الانتفاضة الثورية التي تحمل في طياتها العديد من المطالب واختزالها إلى طبيعة تلك الشرارة الأولية. وكما حدث في الثورة الفرنسية، عندما أشعلت العاملات شرارة الانتفاضة في باريس، لم يسمي أحد تلك الثورة بالثورة العمالية أو الثورة النسائية.  

كما أنه فيما يتعلق بالانتفاضة الإيرانية الأخيرة، نجد أنه على الرغم من أن شرارة الانتفاضة اشتعلت نتيجة لقتل مهسا أميني بطريقة وحشية، إلا أنه من غير الممكن أن يُعزى مضمون الانتفاضة الثورية للشعب الإيراني إلى قضية الملبس الاختياري، والذي يُعدُّ واحدًا من الحريات الأساسية العديدة للمواطنين، أو يُعزى إلى النوع الاجتماعي.  

إذ أن هذا الانتقاص إما أنه ناجم عن الجهل أو أنه مُغرِض ومخادع تمامًا لتضليل الانتفاضة عن هدفها الكبير والأساسي، وهو الثورة الديمقراطية. وحتى الآن، نجد أن كل جهود نظام الملالي وحيله في هذا المجال، وبهذه الطريقة التي نفَّذت بها القطعان السيبرانية، وقنوات الشاه والملالي المتلفزة المخطط الرجعي – الاستعماري؛ لم يكن لها أي تأثير مصيري على اتجاه الانتفاضة الثورية للشعب الإيراني.  

كما أن العمل الجوهري والشامل في جميع أنحاء إيران هو نفس الاستراتيجية التي تتبناها وحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية التي تُعدُّ الظهير التاريخي للثورة الديمقراطية للشعب الإيراني. استراتيجيةٌ قائمة على مبدأ “لا يفل الحديد إلا الحديد”، وجعلتها وحدات المقاومة، في السنوات الأخيرة، نموذجًا للعمل الثوري في الانتفاضة بالقيام بالعمليات اليومية. 

وعلى قدم المساواة مع العمل الثوري، نجد أن الشعارات أيضًا لها أهمية مصيرية في الانتفاضة. إذ تحدد الشعارات مضمون الانتفاضة واتجاهها والغرض منها. ففي واقع الأمر، من شأن شعارات الانتفاضة أن تجعل الإجراءات أكثر راديكالية وثورية، أو على العكس من ذلك، قد تخفِّف من نار الانتفاضة الثورية، وتقلل من راديكاليتها.  

والجدير بالذكر أن تركيز نظام الملالي وتوأمه التاريخي، أي فلول نظام الشاه المقبور، منذ بداية الانتفاضة، على الشعارات من خلال القطعان السيبرانية، والقنوات المتلفزة الخاضعة لسيطرتهما، بغية نزع فتيل الأعمال الثورية للانتفاضة، والتي تقوم على استراتيجية “لا يفل الحديد إلا الحديد”، والحط من قيمتها واختزالها إلى “حركات احتجاجية”، وتراجع المجتمع عن الاستمرار في الانتفاضة في نهاية المطاف؛ وذلك بتضليل المتظاهرين عن المطلب الأساسي لإسقاط النظام؛ ليس من فراغ.  

وفي غضون ذلك، لايزال الملالي وفلول نظام الشاه يتشبثون بإحدى حيل جبهة الشاه والملالي، مثلما كشفت المقاومة الإيرانية النقاب عنها في وقت سابق، على الرغم من أنها حيلة مترهلة وعفى عليها الزمن، وهي التظاهر بأن المجتمع الإيراني يريد العودة إلى الماضي، أي إلى ديكتاتورية الشاه.  

ولحسن الحظ، نزع شعار “الموت للظالم سواء كان الشاه أو المرشد” فتيل هذه الحيلة، منذ بداية الانتفاضة، وواصلت الانتفاضة مسار استراتيجيتها الثورية بهذا الشعار الذي يُعتبر شعارًا استراتيجيًا. وتجدر الإشارة إلى أن شعارات “الموت للديكتاتور” و”الموت لـ خامنئي” من بين الشعارات التي حافظت على راديكالية العمل الثوري في الانتفاضة الثورية للشعب الإيراني،  

ولكن شعار “الموت للظالم سواء كان الشاه أو المرشد” ينطوي على طابع إستراتيجي في هذه الانتفاضة، نظرًا لأنه يتضمن الشعارين السابقين، فضلًا عن أنه يتسم برفض أي نوع من الديكتاتورية في تاريخ إيران، بما في ذلك ديكتاتوريتي الشاه والملالي. وبالإضافة إلى ذلك، ينطوي هذا الشعار على الجوانب الإيجابية أيضًا، أي خطة المطالبة المحددة بعد الإطاحة.  

والجدير بالذكر أن إحدى مشاكل الثورة المناهضة للشاه بشكل عام هي أن المواطنين كانوا يعرفون تمامًا ما لا يريدونه؛ لأنهم تخلصوا منها وألقوا بها في مزبلة التاريخ برفع الشعارات المناهضة لها، بيد أنهم لم يكن لديهم خطة سياسية محدَّدة. وعلى الرغم من أن الحرية كانت من بين الشعارات المهمة للشعب، إلا أن البرنامج السياسي الذي يمكن تحقيق الحرية في كنفه لم يكن موجودًا من وجهة نظر المجتمع برمته.  

ولهذا السبب عندما عرض خميني بكل عبثية خياره الوحيد المرغوب فيه على المجتمع، أثناء استفتاءه الاحتيالي؛ لم يقدِّم أي تفسير حول مضمونه. إلا أن الشعار الذي يرفض اليوم أي نوع من الديكتاتورية، بما في ذلك ديكتاتوريتي الشاه والملالي، يحدِّد في واقع الأمر إلى جانب شعار “الحرية، الحرية، الحرية” الذي يُسمع في كل مكان؛ الرؤية المستقبلية لما بعد الإطاحة أيضًا، ولا ريب في أن هذه الرؤية المستقبلية من الممكن أن تكون إرساء جمهورية ديمقراطية ليس إلا، نظرًا لأن المطالبة بالحرية والمساواة والديمقراطية، ورفض أي شكل من أشكال الديكتاتورية لا يمكن تحقيقها إلا في كنف هيكل سياسي في شكل جمهورية ديمقراطية. بالإضافة إلى ذلك، فإن مثل هذا الهيكل، أي الجمهورية الديمقراطية، التي وضعت المقاومة الإيرانية التي تُعتبر ظهيرًا للثورة الديمقراطية الإيرانية؛ خطتها منذ سنوات عديدة، بوصفها بديل نظام ولاية الفقيه؛ من الممكن إرساؤها.  

Verified by MonsterInsights