هل تصمد الإتفاقات أمام سطوة المخدرات
تفرض عملية التطبيع التي سعى إليها النظام الإيراني مع العرب بشكل تلقائي عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية؛ كفريضة لا خيار فيها كمن يتفاوض على حزمة من القضايا التي لا يمكن تجزأتها فما يجري في سوريا يرتبط إرتباطاً وثيقاً بنظام الملالي، وما يجري من سوريا سلباً إلى الدول العربية يرتبط أيضاُ بنظام الملالي وما يجري في العراق واليمن ولبنان والدول العربية الأخرى يرتبط بنظام الملالي، وبالتالي لا يمكن التفاوض مع الملالي بمعزل عن سوريا والعراق ومن في اليمن ولبنان، ومن يتفاوض ويريد الحوار فليتفاوض على مجمل القضايا كحزمة واحدة وبتعهدات عدة، وضمانات متعددة مُلزِمة.
هل يمكن لمن امتهن الخراب والدمار لعقود وأسس امبراطوريات على هذا النهج مخططاً لعقود أُخرى من الهيمنة أن يعود عن نهجه، وما هو الثمن الذي يتطلبه الأمر لعودته عن هذا النهج الذي يُعد من أهم ركائز وجوده؟
وإذا كانت المخدرات مورداً مالياً عملاقاً لا يخضع لرقابات وسجلات قانونية وفي الوقع ذاته سلاحاً ذو حدين ستنزف القدرات المالية والإقتصادية من جهة، ومن جهة أخرى يُهلك المجتمعات المستهدفة وبالتالي تركيع الخصوم وإخضاعهم لمطالب كريهة؛ فهل يمكن للخصوم أو الأعداء التخلي عنها ببساطة ؟
وإذا غاب منطق الدول والمؤسسات الرصينة القائمة على القيم الأخلاقية والقانونية وساد منطق الجماعات والفئات المتدنية ومراكز القوى الداعمة لها وتوسعها وتقاسم الوجود والمصالح فيما بينها؛ فكيف وبأي منطق ولغة وضوابط يمكن التعامل معها؟ هل تدنو الدول إلى مستوى الجماعات العبثية ومراكز القوى غير المنضبطة بقانون أو قيم وتعدل خطابها للتوافق معها ولن نقول الإتفاق؟ وهل يمكن لفريق خصم مفاوض يدعي الرصانة ويعد بكمٍ من الوعود أن يتعهد بتنفيذها في ظل غياب منطق ومفهوم الدولة وصدارة الميليشيات والجماعات الخارجة التي تتقاسم الأدوار والمهام والمنافع مع سلطات مسمى الدولة، وإلى أي مدى يستطيع تنفيذ ذلك؟
إلى أي مدى يستطيع رعاة هذه الإتفاقيات ضبط مسارها وإلزام الأطراف المُتفقة بالرضوخ التام لبنودها؟
وكثيرة هي التساؤلات التي يمكن طرحها في عالم اليوم خاصة مع دول فقدت مسمى ومفهوم الدولة الحقيقية.
مَن يفاوض مَن
الدول العربية المفاوضة دول مؤسساتية منضبطة بقيم وقوانين العلاقات الخارجية والقانون الدولي فهل تفاوض من يناظرها ويقابلها صفة وقيماً انضباطاً وصلاحيات حتى يخرجون بمخرجات سليمة وناجحة من هذا التفاوض أم أنها ستفاوض مجرد موظفين يخضعون لسطوة ميليشيات ومراكز قوى متنفذة تحت ظل نظام الملالي في إيران والعراق وسوريا واليمن وعلى سبيل المثال تعلو سطوة ما يسمى بـ الحرس الثوري الإيراني على صلاحيات وتعهدات أي وزارة في الدولة الإيرانية الحالية، وكذلك تعلو سطوته على الحدود وفي كافة المنافذ والمؤسسات الرسمية للدولة الإيرانية لكن عندما يتعلق الأمر ووفقاً للقوانين الوضعية والإسلامية والإنسانية بما لا يروق لهم كإصدار بيان ولادة طفل على سبيل المثال عندها يكون الأمر خارج صلاحياتهم وأن الدوائر المعنية دوائر منفلتة وغير ملتزمة شرعا وعرفاً وقانوناً ويظهر الحرس كمن لا حول ولا قوة له وأسألوا عن ذلك ملايين الإيرانيين الذين بدون أوراقاً ثبوتية وأسألوا عن ذلك عراقيين موالين لنظام الملالي ويخضعون لأوامرهم اليوم في السلطة العراقية، وعندما تبحث عن الحقوق في سلسلة الدوائر والمراجع الرسمية تتقاذفك الأيدي والألسنة من جهة إلى أخرى حتى يوهمون المتلقي أن الأمر خارج السيطرة وعن سيطرة وصلاحيات علي خامنئي نفسه، في حين تتضح لك كل الصلاحيات وكل السيطرة والنفوذ في قضايا أخرى أشد خطورة وأشد كُلفةً وحساسية على كافة الأصعدة، وإذا كانت أخطر القضايا لدينا نحن العرب مع النظام الإيراني وجنوده المتناثرة هنا وهناك في العراق وسوريا واليمن ولبنان هي قضايا إنتهاك السيادة والمخدرات والسلاح المنفلت والميليشيات وسوء الجوار وعدم الإلتزام بالمواثيق والأعراف الدولية فمع نتفاوض مع الحرس الذي يدير كل تلك الخروقات وهو ميليشيا لا يجوز لدولة أن تتفاوض معها فتفاوض الدول والمؤسسات ذات الصلة تكون مع دول ومؤسسات مماثلة، وهل تخضع أو ستخضع ميليشيا حرس الملالي لما تراه الرئاسة أو لإتفاقيات على عهدة ومسؤولية الدولة الإيرانية تبرمها من خلال خارجية الدولة.
إمبراطوريات المخدرات والسلاح المنفلت
ذكرت إحصائية رسمية للنظام الإيراني قبل سنتين بوجود 5 ملايين شخص مدمن في إيران وهذه إحصائية لا يُعتد بها كونها إحصائية حكومية، وكذلك لم تشمل هذه الإحصائية عدد المتعاطين للمخدرات وشملت المدمنين فقط، وهنا يبرز تساؤل بسيط من يوفر هذا الحجم الكبير من المخدرات الذي يكفي خمسة ملايين مدمن وعدة ملايين متعاطي ويغطي العراق وسوريا ومنهما إلى الأردن ودول الخليج مع إعفاء مناطق الإحتلال في فلسطين المحتلة وكل ذلك في ظل تعدد السلطات الحكومية الإيرانية المكافحة لتهريب وتجارة المخدرات بدءا من الحدود والمعابر البرية والبحرية والجوية وحتى داخل المدن الإيرانية وقد زعم أمين عام لجنة مكافحة المخدرات في إيران بوقت سابق أن إيران تنفق من 700 مليون إلى مليار دولار في مكافحة المخدرات وأن مكافحة المخدرات الآن متعثرة بسبب العقوبات الأمريكية على إيران وها هو يضع عذراً وسبباً مسبقاً بأنهم أبرياء وليسوا مذنبين وليُنهي العالم العقوبات المفروضة عليهم حتى يبدأوا في التخطيط والتدبير لإنجاز الأمر الذي سيتغرق وقتاً طويلاً وعلى ضحايا المخدرات العرب أن يتحلوا بالصبر ومن يمت منهم رحمة الله عليه ومن يُفلس مسكين كان الله بعونه ومن يُسجن بريئ مسكين ورائه عائلة أخرجوه كي يعمل بما يُجيد (المخدرات) وينفق على عائلته ونبقى في نفس الدائرة المغلقة والمعاناة التي لن تنتهي لا بحوار ولا بمفاوضات ولا بأي ضمانات.
تُعتبر المخدرات إحدى أهم وسائل التمويل للميلشيات التابعة لحرس الملالي سواء في العراق أو سوريا أو اليمن إلى جانب مصادر التمويل الأخرى من سلاح خفيف ومتوسط وثقيل وصواريخ وأسلحة استراتيجية، وبدون تسهيلات حدودية لا يمكن لعصابات المخدرات أن تهرب هذه الكميات الهائلة من المخدرات عبر الحدود لدول الجوار، وبدون نقل الميليشيات المتنفذة لهذه السموم لا يمكن تدفقها بهذا الحجم الذي يتم الكشف عن جزء ضئيل منه وما وقع في قبضة البحرية الأمريكية والبريطانية والهندية والعربية وفي قبضة السلطات في الأردن والعراق واليمن ودول أخرى ليس نذراً يسيراً من الكم الهائل المتدفق على صورتين إلى الأسواق ؛ الأولى عن طريق تجار يدفعون أتاوات ويقبلون ببعض التضحيات الشكلية، والثانية عن طريق ميليشيات وجهات شبه رسمية ووفق مخططات تدعم توجهات سياسية وعسكرية ما في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وتنقل هذه الجهات مخدرات بقيمة صفرية لا تتجاوز كلفة النقل فهي مخدرات مصادرة في عمليات مكافحة واسعة على مدار السنة يتم حرق بعضها أمام الكاميرات للإعلام ويتم التحفظ على الباقي لنقلها للتوزيع في قلب الدول المُستهدفة وبواسطة أدواتهم لتحقيق الأهداف المرجوة ومن ضمنها الإستثراء غير المشروع إضافة إلى كونها وسيلة تمويل وتطوير، وعلى سبيل المثال يُعلن وزير الصحة العراقي صالح الحسناوي في أحد تصريحاته قائلا إن “كمية المخدرات التي جرى إتلافها تقدر بـ 5.9 طن من المخدرات المتنوعة، وتتألف من 54 مليون قرص مخدر، و31 ألف أمبولة مخدرة، و9 آلاف قنينة مخدرة”، وعند النظر والتدقيق في حفرة الحرق نجدها لا تتناسب إلا مع مكان لحرق بضع مئات الكيلوغرامات من المخدرات وليس (5.9 طن) خمسمائة وتسعة أطنان من مختلف أنواع المخدرات، فأين تذهب باقي المخدرات؛ تذهب حسب نهج مدرسة كبيرهم الذي علمهم السحر حيث يتم التحفظ عليها والمتاجرة بها داخل وخارج العراق وإيران وسوريا.
بالنظر إلى كم المخدرات التي تصادرها السلطات العراقية والأردنية وغيرها لا يمكن القول أبداً أننا أمام أزمة يمكن علاجها ببساطة، والحقيقة أننا أمام حرب شاملة تستهدف مجتمعاتنا واقتصاداتنا وتُرغمنا بالنهاية على الجلوس للتفاوض وقبول الآخر والإستماع لشروطه وقد نستجيب لها أيضاً.
لمن السيادة والسطوة في دول المستعمرات
لا سطوة ولا سيادة ولا صلاحيات ولا اعتبار في دول المستعمرات الإيرانية العراق وسوريا ولبنان واليمن خاصة عندما تكون اليد العليا للميليشيات التابعة للحرس أو فيلق القدس والجماعات الأخرى الموالية على اختلاف مشاربها وتوجهاتها، وعندما تكون المخدرات المحمية بسلاح الميلشيات في ظل غياب الدولة والسيادة وسيلة للمليارات السهلة من الدولارات .. عندما تكون السطوة للميليشيات وعصابات المخدرات الشريكة مع السلطات الأخرى من سينفذ الإتفاقيات المبرمة في الأروقة الهادئة في الميدان على أرض الواقع .. قد ينتهي الأمر بسعي طرف أو أكثر من المتضررين إلى اللجوء لأدوات أخرى بعيداً عن الدبلوماسية والحوار عندما يتنصل صاحب السيادة من المسؤولية أو يصرح أو يلوح بالعجز على الأرض.
المسار النهائي
تمكن العراق وسلطنة عمان من إقناع دول الأزمة الدول المتضررة جراء تدخلات نظام الملالي المخلة بسيادة الدول العربية، وجراء تصدير التطرف وأدواته السلاح الداعم ومشاريع المخدرات وسيلة التمويل والتنمية في حال غابت القدرة على التمويل النقدي المباشر، وعلى الجانب الآخر تمكنت المملكة العربية السعودية من خلق إجماع عربي لعودة سوريا إلى الجامعة العربية بعدما قَبِلت أغلبية الدول بالحوار والتطبيع مع ملالي إيران.. فهل سيفضي كل ذلك إنهاء سيول المخدرات والسلاح المتدفقة إلى الدول العربية، وهل ستصمد المفاوضات والإتفاقيات أمام سطوة ميليشيات السلاح والمخدرات …..؟
دكتور محمد الموسوي – كاتب و محلل عراقي