مستقبل النظام الإيراني بعد مقتل رئيسي
رؤية المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية:
في إحاطة افتراضية عبر منصة زوم، تناول الدكتور سنابرق زاهدي، رئيس لجنة القضاء في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، موضوع مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية يوم 19 من الشهر الجاري. وشارك في الندوة نخبة من الصحفيين والكتاب والإعلاميين العرب.
أعرب الدكتور زاهدي في مستهل حديثه عن استغرابه لموقف رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي دعا لإقامة مراسم تأبينية لرئيسي في 30 من الشهر الجاري. ورأى زاهدي أن هذا الموقف يتناقض بشكل صارخ مع قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قبل عام بتشكيل لجنة تقصي حقائق للتحقيق في الجرائم التي ارتكبها النظام الإيراني خلال الانتفاضة الأخيرة في إيران، والتي وصفتها بـ “جرائم ضد الإنسانية”.
وأكد زاهدي، مستندًا إلى تقرير أممي مكون من 500 صفحة، أن إبراهيم رئيسي متورط بشكل مباشر في تلك الجرائم. وشدد على أن التقرير أخذ بعين الاعتبار استحالة إجراء تحقيق نزيه داخل إيران في ظل النظام الدكتاتوري الحاكم، مما يجعل من متابعة هذا الملف ومحاسبة المتورطين فيه مسؤولية أخلاقية تقع على عاتق المجتمع الدولي.
وتطرق الدكتور زاهدي إلى مشاركة بعض وفود الدول في مراسم العزاء التي أقيمت بمناسبة وفاة رئيسي. وأشار إلى أن شخصيات سياسية دولية بارزة طالبت بعدم المشاركة في تلك المراسم، بل دعت إلى الترحيب بسقوط رئيسي تعاطفًا مع الشعب الإيراني.
وتحدث الدکتور بإسهاب عن ماضي ابراهيم رئيسي وذلك بالاعتماد على کتاب قام المجلس الوطني للمقاومة الايرانية بإعداده ونشره بعد تعيين رئيس رئيسا للجمهورية.
ونوّه الدكتور زاهدي، وهو يتحدث عن خلفية وماضي رئيسي، بأنه وعند حدوث الثورة الإيرانية كان عمره تقريبًا 18 عامًا، أي أنه لم ينخرط في أي نشاط سياسي. وإنما قام بعد الثورة بنشاطات هنا وهناك.
وحتى أنه أشار إلى ما ذكره البعض بكونه قد درس في أحد المدارس بمدينة قم من التي كان فيها الدكتور زاهدي وقتها، فإنه أكّد عدم سماعه أو معرفته به.
ولفت الدكتور زاهدي الأنظار إلى أن رئيسي في بداية الثورة الإيرانية، ومن دون أن يدرس في الجامعة، دخل سلك القضاء دون أن يمتلك أيّة شهادة تُؤهّله لذلك.
كما لفت الأنظار إلى الجرائم التي قام باقترافها ضد أهالي مدينتي كرج وهمدان عند تولّيه مهام قضائية هناك.
ولأن الرجل كان مُتماديًا في ارتكابه للجرائم ولم يكن يردعه أي شيء، فإن ذلك – كما أضاف الدكتور زاهدي – كان سببًا أساسيًا لنيله الحظوة والثقة الكاملة لدى الخميني.
الذي خاطبه وشخصًا آخر هو حسيني نيري، للقيام بتنفيذ إعدامات. ومن جراء ذلك أصبح المدعي العام في طهران وبعدها رئيسًا للسلطة القضائية.
كما أنه ولفترة محددة كلّفه خامنئي بأن يصبح مسؤولًا عن السدنة الرضوية، وهذه تُعتبر أكبر مؤسسة اقتصادية في إيران.
وكان يقوم بإرسال عائدات هذه المؤسسة الدينية إلى سوريا بشكل مُحدّد، حيث كانت الجماعات الإرهابية فاطميون وزينبيون (أفغانيون وباكستانيون) تقاتل هناك.
ولذلك فقد نال رئيسي الثقة الكاملة من جانب خامنئي .
وأضاف الدكتور زاهدي أنه كان أمام خامنئي تجارب رئاسة الجمهورية لرفسنجاني ومحمد خاتمي وأحمدي نجاد وحسن روحاني، فأراد أن يجعل من النظام بلون واتجاه واحد أو بتعبير أدق أحادي القطب ورأى في رئيسي من يمكنه القيام بهذه المهمة.
وأکد الدكتور زاهدي بأن اختيار خامنئي لرئيسي لم يكن في عام 2021، وإنما كان في عام 2015، خلال انتخابات الدورة الثانية لرئاسة حسن روحاني حيث شارك فيها لكنه لم يتمكن من الفوز.
وأشار الدكتور زاهدي إلى أن لرئيسي خلفية عجنت بالجرائم والإعدامات والتعذيب والمجازر، ولذلك أصبح الرجل المفضل لخامنئي ليصبح رئيسًا للجمهورية.
وبخصوص كيفية مقتل رئيسي، فأشار إلى أنه هناك مختلف الآراء والتوجهات بشأن ذلك، من حيث: هل تم قتله؟ وهل كان هناك ثمة مدسوس معه؟ وكيف ركب أمير عبداللهيان والبقية الآخرون في اللحظة الأخيرة هذه المروحية في الوقت الذي كان من المفترض أن يركبوا مروحية أخرى؟ فهناك قصص وروايات مختلفة.
هل تم اغتياله من جراء مؤامرة لأنه كان في أذربيجان التي لها علاقة مع إسرائيل؟
وأردف بأنه “أي الدكتور زاهدي” قد سمع بأن خامنئي من قتله لأنه يريد أن يصبح ابنه خليفة له، مشددًا على أنه كلام غريب جدًا بالنسبة لي لأنني أعرف ماهو نظام ولاية الفقيه وأن رئيسي لا يستطيع أن يتمكن من دون تعيين مجتبى كخليفة لخامنئي.
وشدد على أنه ليس من المفيد الدخول في متاهات كيفية مصرعه، وإن الذي يهم بالنسبة للمقاومة الإيرانية هو المدلول السياسي للأمر.
وأوضح الدكتور زاهدي بأن خامنئي، ومنذ أن أراد جعل رئيسي رئيسًا للجمهورية، فقد قام بتركيب النظام على مقاس إبراهيم رئيسي.
ولفت الأنظار إلى قيام خامنئي بهندسة الانتخابات الرئاسية، وكذلك التشريعية وغيرها، خلال الأعوام الأخيرة تحديدًا.
فخامنئي هو من قام بإقصاء علي لاريجاني من رئاسة وحسن روحاني من مجلس الخبراء، كما أقصى حسن خميني، حفيد الخميني، من رئاسة الجمهورية ومن مجلس الخبراء، وكثيرون ممن يتصور خامنئي أن يكون لهم 1% أو 20% من عدم الموالاة لنظام ولاية الفقيه.
ولفت الأنظار إلى أن شخصًا كروحاني كان له دور لا يقل عن دور خامنئي من حيث خدمة النظام، وإنه منذ عهد الشاه كان من أنصار خميني، ولذلك يعلم بأن أول شخص سمى خميني إمامًا كان حسن روحاني.
ونوّه عن أن كلمة “الإمام” لدى الشيعة لها معنى خاص يختلف تمامًا عما هو لدى السنة
وأستطرد الدكتور زاهدي بأن خامنئي قام بإقصاء جميع الذين لم يكونوا معه متوافقين معه بنسبة 100%. إذن، كان رئيسي يُجسد نوايا خامنئي تمامًا. وقال بأنه وبمقتل رئيسي، فقد انهار العمود الفقري لهذه التركيبة، وبالتالي أصبح خارج المعادلة. لذا، فإنّه على خامنئي أن يبادر إلى تشكيل تركيبة جديدة على نفس النموذج، أو نموذج آخر. هنا يطرح السؤال: ماذا سيفعل خامنئي بعد إبراهيم رئيسي؟ الآن من الصعب التكهن، ولكن بإمكاننا أن نرى المؤشرات. تشير المؤشرات إلى أن خامنئي سيستمر ويُصرّ على النهج ذاته الذي اختاره مع إبراهيم رئيسي.
وأوضح ما هي هذه المؤشرات؟ ثم أردف قائلاً: أودّ أن أوضح لكم بعض المؤشرات التي خطرت على بالي. على سبيل المثال، لم يحضر صلاة الجنازة على أرواح هؤلاء كل من محمد خاتمي وأحمدي نجاد وحسن روحاني. ولذلك الأمر دلالة. بعد ذلك، أصرّ خامنئي أثناء التشييع والمأتم على الالتقاء رسميًا بإسماعيل هنية. ماذا يريد أن يقول؟ يريد أن يقول إننا سائرون على نفس النهج الذي بناه إبراهيم رئيسي. كما قام خامنئي خلال ثلاثة أيام بتعبئة كل ما لديه من قوى في العاصمة طهران، ومن ثم في مدن أخرى. وهو يريد أن يقول من خلال ذلك إننا على نفس النهج والمسار الذي كنا عليه، كما أشرت لذلك. وذكر أيضًا أنه سمع بإقامة جداريات لرئيسي في مدن العراق ولبنان. وهذا يعني أنهم يريدون السير على نفس النهج.
كما سمعتم، كان هناك لقاء بين حسين سلامي، رئيس الحرس الثوري، وإسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس، مع إسماعيل هنية، مندوب حماس، ومندوب الحوثيين، ونعيم قاسم من حزب الله اللبناني، وأيضًا من الحشد الشعبي العراقي. فماذا دار في هذه اللقاءات؟
قالوا إنهم يريدون الاستمرار على نفس النهج السابق. وهنا أريد أن أقول، كتحليل، أنه في حال أراد خامنئي السير على نفس المنحى، يجب أن يكون أكثر إصرارًا وتطرفًا عما كان عليه سابقًا، وذلك لغياب إبراهيم رئيسي، الذي لعب دورًا هامًا في لم شمل هؤلاء.
لعب عبد اللهيان أيضًا دورًا في هذا الشأن، لكنه لم يكن على نفس المستوى، على الرغم من أنه كان يتمتع بدور هام على مستوى فيلق القدس، حيث كان يجمع بين الدبلوماسية والميدان، كما قال جواد ظريف. أي أن تركيبة قاسم سليماني وجواد ظريف تعادل أمير عبد اللهيان.
ولم أرَ أي مؤشر يدل على أن خامنئي يرغب في تغيير هذا النهج. لذلك، فإن خروج إبراهيم رئيسي من الساحة كان بمثابة ضربة استراتيجية لخامنئي، لأنه قام ببناء نظامه على مقاس رئيسي، الذي كان المؤشر والبوصلة والعمود الفقري لهذا النظام. وبخروجه، فإن ذلك يعني أنه يجب عليه إعادة ترتيب هذه التركيبة من جديد، وهذا عمل صعب، لأن خامنئي يواجه مشكلات جمة، سواءً كانت داخلية أو تتعلق بالصراع على السلطة أو القضايا الاقتصادية أو الانتخابات المزمع إجراؤها خلال 50 يومًا.
هناك أيضًا أزمة كبرى في المنطقة، وهي الأزمة الإقليمية، وخامنئي طرف في هذه الأزمة. فكيف يمكنه في خضم هذه الأوضاع والأزمة أن يقوم بهذه العملية؟
في نفس الوقت، فإن المقاومة الإيرانية جاهزة أيضًا، من خلال وحدات المقاومة داخل إيران ومن خلال نشاطاتها خارج إيران. وكل ما ذكرته يصنع صورة صعبة لخامنئي.