أزمة القيادة في إيران: صراعات داخلية ومخاوف متزايدة من هشاشة النظام
يكشف الخطاب الأخير لرئيس السلطة القضائية في إيران، غلام حسين محسني إيجئي، خلال المؤتمر الخامس والعشرين للمدعين العامين في 27 يناير 2025، عن تصدعات عميقة داخل النظام الإيراني. تعكس تصريحاته حالة عدم الاستقرار المتزايدة داخل النظام، والقلق المتنامي لدى قادته بشأن بقائه.
وكان أحد المحاور الرئيسية في خطاب محسني إيجئي هو انتقاده الحاد لوزير الخارجية الإيراني الأسبق، محمد جواد ظريف، بسبب تصريحاته في منتدى دافوس. وأكد إيجئي على مخاطر التعامل مع القوى الغربية، قائلاً:
“اليوم، التجسيد الحقيقي للطغيان هو النظام الأمريكي. لا يمكننا الاعتماد على حكومة مستبدة لحل مشاكلنا. يجب ألا ترهبنا قوة الطغيان، بل علينا التحلي بأقصى درجات الصبر والمقاومة.”
كما أدان إيجئي تصريحات ظريف، معتبراً أنها أضعفت موقف إيران على الساحة الدولية:”ليس من اللائق لشخص يمثل النظام أن يتحدث في محفل دولي بطريقة تضعف مسار الحق وتسر العدو. لا يجوز لنا أن نقول شيئًا أمام الأجانب يوحي بأن بلادنا ضعيفة.”*
وفي الوقت نفسه، حذر إيجئي التيار المتشدد من المبالغة في الهجوم على ظريف وحلفائه:”النقد لأي فرد أو مؤسسة أمر مقبول، لكن لا ينبغي لنا أن نستخدم لغة تسرّ العدو. هل من الأخلاق الإسلامية أن ننتقد الآخرين بطريقة تخدم مصالح خصومنا؟”
ويعكس خطاب محسني إيجئي حالة الانقسام العميقة داخل النظام الإيراني، خاصة فيما يتعلق بالمفاوضات مع الولايات المتحدة، حيث أُثير جدل واسع بين أجنحة النظام المختلفة.
وكتب حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة “كيهان” المتشددة، هجومًا على ظريف، قائلاً:”قبل أيام، كشف ظريف، في موقعه غير القانوني كنائب رئيس إيران للشؤون الاستراتيجية، عن مشاعره الحقيقية للأمريكيين، متذمرًا من الثورة والثوريين. ومن موقع مهين، وبتنسيق غير واضح داخل النظام، جلس ليطلب التفاوض مع ترامب.”
كما وصفت “كيهان” تصريحات ظريف في دافوس بأنها “مذلة.”
وزاد ظريف من غضب التيار المحافظ عندما تطرق إلى قانون الحجاب خلال مشاركته في دافوس، قائلاً:”إذا خرجت إلى شوارع طهران، سترى نساءً بدون غطاء رأس. ورغم أن هذا يخالف القانون، فإن الحكومة قررت عدم ممارسة أي ضغوط على النساء. هذا وعد قطعه الرئيس پزشكيان وقد أوفى به.”
وأشار إلى أن هذا القرار يحظى بدعم مسؤولين كبار، لكنه شدد على أنه لا يشمل المرشد الأعلى علي خامنئي.
أثارت هذه التصريحات موجة من الانتقادات، حيث حذر رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف:”على من يعتبرون أنفسهم ممثلين للنظام أن يكونوا حذرين في تصريحاتهم، حتى لا ينقلوا للعدو رسالة قد تهدد المصالح الوطنية.”
وتعرض الرئيس مسعود پزشكيان بدوره لهجوم شديد بسبب دعوته إلى الدبلوماسية. ففي خطاب ألقاه في الأهواز في 23 يناير، قال:”يجب أن نخاطب العالم بلغة السلام، بلغة التحية.”*
واعتبرت هذه العبارة إشارة إلى إمكانية إجراء مفاوضات مع الغرب، ما أثار استياء المتشددين داخل النظام.
ووصف إمام جمعة مشهد، أحمد علم الهدى، پزشكيان وحلفاءه بأنهم “أناس قلوبهم متعلقة بالغرب.”
وفي طهران، ذهب عضو مجلس صيانة الدستور، أحمد خاتمي، إلى أبعد من ذلك، مذكّرًا بموقف الخميني المتشدد تجاه الولايات المتحدة، متسائلًا:”هل أصبحت أمريكا شيطانًا أصغر؟ أم أنها ازدادت شراسة؟”
تصاعدت حدة التوتر بعد أن حذر وزير الاستخبارات قائلاً:”إذا استولت دعوات التفاوض والانبهار والخوف على المشهد، فسنكون نحن الخاسرين.”
وأكد أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى “مفاوضات رابحة للطرفين”، بل تهدف إلى “إخضاع إيران وإذلالها.”
وفي تصعيد خطير، دعا أمين مجلس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في طهران إلى اعتقال ظريف فور عودته إلى البلاد، قائلاً:”على القوى المناهضة للثورة أن تعتقل ظريف فور دخوله البلاد واستجوابه، وإلا فإن البلاد ستواجه قريبًا أزمات أكثر تعقيدًا وخطورة.”
ويعكس خطاب محسني إيجئي تصاعد المخاوف داخل الطبقة الحاكمة في إيران. فالصراع بين المتشددين وما يُعرف بالإصلاحيين ليس مجرد خلاف سياسي، بل هو مؤشر على أزمة وجودية تهدد بقاء النظام. ومع تعثر المفاوضات النووية وتفاقم الأزمات الاقتصادية، يجد النظام الإيراني نفسه في وضع حرج، يكافح للحفاظ على تماسكه في مواجهة ضغوط داخلية وخارجية متزايدة.