الاتحاد من أجل الحرية والديمقراطية والمساواة​

الاقتصاد المافياوي في إيران: نهبٌ منظم وصبرٌ شعبيٌّ نافد 

انضموا إلى الحركة العالمية

الاقتصاد المافياوي في إيران: نهبٌ منظم وصبرٌ شعبيٌّ نافد 

الاقتصاد المافياوي في إيران: نهبٌ منظم وصبرٌ شعبيٌّ نافد 

الاقتصاد المافياوي في إيران: نهبٌ منظم وصبرٌ شعبيٌّ نافد 

في كلمة ألقاها خلال المؤتمر الثالث والعشرين للحزب المسمى بـ “الديمقراطية الشعبية”، قدم الخبير الاقتصادي حسين راغفر صورة صادمة عن الوضع الاقتصادي في إيران، حيث وصف المؤسسات الرئيسية في البلاد، مثل البنك المركزي ووزارة الاقتصاد والسلطة القضائية وحتى الحكومة، بأنها مجرد أدوات تخدم هيكلًا مافياويًا متجذرًا. وأكد أن الاقتصاد الإيراني ليس فقط غير قادر على حل مشاكله المتفاقمة، بل إنه مصمم بطريقة غير إنتاجية تدر أرباحًا طائلة على المضاربين والمحتكرين، بينما تتزايد معاناة المواطنين الذين يزدادون فقرًا يومًا بعد يوم. 

البنوك وتمويل الأنشطة غير المنتجة 

أحد المحاور الرئيسية التي تطرق إليها راغفر هو الدور السلبي للبنوك في تفاقم هذه الأزمة. فبدلًا من دعم القطاعات الإنتاجية والصناعية، تقوم البنوك بضخ الأموال في مشاريع مضاربية غير منتجة. ونتيجة لذلك، يتم توجيه رؤوس الأموال نحو شراء الذهب والعملات الأجنبية والمضاربات المالية، وهي أنشطة لا توفر فرص عمل، بل تخدم فئة ضيقة من المنتفعين. وضرب راغفر مثالًا على ذلك بأن المواطنين يفضلون شراء الذهب لأنه يحقق عوائد أعلى من أي نشاط إنتاجي، مما أدى إلى شلل الصناعة وتدمير فرص النمو الاقتصادي الحقيقي. 

المافيا الحاكمة ونهب موارد البلاد 

تحدث راغفر بصراحة عن وجود مافيا حكومية تستغل جميع الأدوات المتاحة لنهب أموال المواطنين. وأشار إلى مثال واضح على ذلك، وهو تصدير البطاطس بسعر 15 ألف تومان وإعادة استيرادها بسعر 30 ألف تومان، في نموذج صارخ من الاستغلال المنهجي للموارد الوطنية لصالح مجموعات متنفذة. 

كما أوضح أن المؤسسات الحاكمة، بما في ذلك الحكومة، قد فقدت سلطتها لصالح جهات غير رسمية تسيطر على الاقتصاد. وأكد أن ميزانية الدولة لم تعد في أيدي الحكومة، بل يتم تخصيص جزء ضئيل لها بشكل محدود، ما يؤدي إلى استمرار ارتفاع أسعار العملات الأجنبية وتفاقم التضخم، وهي عوامل تصب في صالح مافيات الفساد وتضر بالمواطنين العاديين. 

يعد التضخم، الذي يصفه راغفر بأنه نتيجة مباشرة للسياسات الخاطئة وللجماعات المنتفعة، أحد أكبر التحديات التي يواجهها الشعب الإيراني. ففي حين أن المواطنين هم المتضررون الأساسيون، هناك جهات محددة تجني أرباحًا طائلة من ارتفاع الأسعار. وأشار راغفر إلى أن حكومة بزشكيان خلال الأشهر الستة الأولى من ولايتها أنفقت أربعة مليارات دولار على استيراد الذهب، وثمانية مليارات دولار على قطع غيار السيارات، وثلاثة مليارات ونصف المليار دولار على السيارات المستعملة، بينما لم يتم حل الأزمات الأساسية مثل نقص الأدوية، وهو ما يعكس أولوية المصالح المافياوية على حساب الاحتياجات الضرورية للمجتمع. 

شدد راغفر على أن الحكومة أصبحت بلا تأثير فعلي منذ الحرب الإيرانية-العراقية، وأن المؤسسات الرئيسية في الدولة لم تعد تمتلك أي صلاحيات حقيقية، بل باتت مجرد منفذة لتوجيهات جهات قوية خارج إطار الحكومة. وأشار إلى محاولات بزشكيان للتعاون مع الجامعات والخبراء لحل الأزمات الاقتصادية، لكنه أكد أن غياب آلية واضحة لهذه الشراكة جعلها غير مجدية. وأضاف أن الحلول للخروج من الأزمة موجودة، إلا أن أحدًا لا يريد سماعها، لأن استمرار الأزمة يخدم مصالح المافيات الحاكمة. 

ورغم أن راغفر وغيره من الاقتصاديين يتجنبون الإشارة المباشرة إلى هوية هذه المافيات، إلا أن الشعب الإيراني، الذي يعاني من تدهور معيشته، يدرك تمامًا من يقف وراء هذا الخراب ومن أين تستمد هذه العصابات سلطتها. 

كل ما قاله راغفر يمثل رسالة تحذيرية جدية للنظام الإيراني، ليس بهدف تغيير جذري، بل لإنقاذ ما تبقى من هيكله المتداعي. فقد قال بشكل واضح: 

“لقد نهبوا أموال الشعب بكل ما أوتوا من قوة. ولهذا السبب، نواجه اليوم أزمة تفكك اجتماعي لا يمكن معالجتها بالشعارات. فالمواطنون ينظرون إلى موائدهم الخاوية ويدركون تمامًا من المسؤول عن تدهور أوضاعهم. وإذا أراد النظام استعادة الحد الأدنى من التماسك الاجتماعي، فعليه اتخاذ إجراءات عملية فورية”. 

يرى راغفر أن ما يسميه “التماسك الاجتماعي” هو الحفاظ على التوازن بين النظام والشعب، وليس الدعوة إلى احتجاجات واسعة. إلا أن نصيحته هذه تأتي في وقت أصبح فيه الشعب الإيراني أكثر وعيًا وإدراكًا بأن هذه التحذيرات لا تتجاوز كونها محاولات يائسة لإنقاذ نظام ينهار تحت وطأة فساده المزمن. 

وبغض النظر عن رغبة راغفر أو غيره في تجنب الإشارة إلى المافيا الحقيقية المتغلغلة في أروقة بيت خامنئي، فإن الإيرانيين يعرفون تمامًا من يقف وراء هذا الدمار. ولم يعد لمثل هذه التحذيرات أي تأثير، فقد انتهت صلاحية النصائح والمراوغات، وبات الشعب على يقين بأن الحل الوحيد هو اجتثاث جذور هذه المافيات التي نهبت البلاد لعقود طويلة. 

Verified by MonsterInsights