نهب منظّم تحت عباءة “التنمية”: صندوق الثروة الإيراني بين قبضة الحرس وإفلاس الدولة
في واحدة من أعمق أزمات الانهيار المالي في إيران، تكشف الإحصائيات الرسمية الصادرة عن مركز بحوث مجلس النظام أن صندوق التنمية الوطني الإيراني، الذي أنشئ عام 2011 لحفظ جزء من عائدات النفط لصالح الأجيال القادمة، تحوّل إلى خزينة تحت تصرّف حرس النظام الإيراني والنظام الحاكم، لتمويل سياساته القمعية والعسكرية، تاركًا البلاد على حافة الإفلاس.
161 مليار دولار دخلت الصندوق… أكثر من 82% تم إنفاقها
بين عام 2011 ومارس 2024، بلغت الإيرادات الإجمالية للصندوق نحو 161 مليار دولار، تم إنفاق 82% منها. في المقابل، لم يُسترجع سوى 8 مليارات دولار من أصل 132 مليارًا تم صرفها كقروض. الأسوأ أن 88% من هذه القروض لم تُمنح للقطاع الخاص أو التنموي، بل ذهبت مباشرة إلى الحكومة، ومؤسسات عامة، وفي طليعتها حرس النظام.
ويُظهر تقرير البرلمان أن 18 مليار دولار من هذه القروض باتت متعثّرة، رغم حلول آجال استحقاقها، ما يكشف عن غياب أي آلية فعّالة للرقابة أو الاسترداد.
الموجودات القابلة للإدارة لا تتجاوز 20 مليار دولار
حتى مارس 2024، بلغ حجم احتياطات الصندوق من العملات الأجنبية 26.5 مليار دولار، وبعد خصم الالتزامات المترتبة عليه، لم يتبقَّ سوى 20 مليارًا كأصول فعّالة. وهذا يعني أن الصندوق، من حيث القدرة الاستثمارية، بات جسمًا هزيلًا مقارنةً بحجمه المعلن.
وما يزيد الطين بلّة أن النظام استولى خلال العام الماضي وحده على 10 مليارات دولار إضافية، إما بقرار مباشر من خامنئي، أو من خلال مصادرة حصة الصندوق من صادرات النفط.
تفريغ تدريجي وتحويل الصندوق إلى “تابع عسكري”
كان يُفترض أن يكون هذا الصندوق أداة لدعم القطاع الخاص والنهوض بالإنتاج الوطني، لكنه عمليًا خضع لسيطرة الحكومة وأجهزتها، وعلى رأسها حرس النظام الإيراني، الذي استفاد من معظم موارده. لم يُخصص للقطاع الخاص سوى 14 مليار دولار (أقل من 10%) ، وسط مؤشرات على أن حتى هذا الجزء وُزّع وفق المحسوبية والولاء السياسي.
الميزانية الحالية للنظام تتوقّع أن ثلث صادرات النفط اليومية (1.8 مليون برميل) ستُخصص مباشرة للقوات العسكرية، بينما يخضع الصندوق لإمكانية تحويله إلى مصدر تمويل إضافي لتلك القوات، ما يعني تفريغ الدولة نفسها من دورها الاقتصادي.
مقارنة تُظهر الفشل الذريع
في الجوار، تمتلك دول الخليج وأذربيجان صناديق سيادية ذات صلة بالنفط تتجاوز 3.6 تريليون دولار، بالإضافة إلى 3 تريليونات أخرى من صناديق استثمار سيادية غير نفطية.
في الإمارات وحدها، تُدير الدولة ثمانية صناديق سيادية، منها جهاز أبوظبي للاستثمار الذي يتجاوز 1.1 تريليون دولار. أما إيران، فلا تتجاوز حصة صندوقها السيادي 0.5% من مجمل ثروات المنطقة السيادية، رغم أنها ثالث منتج للنفط في الشرق الأوسط، وأول منتج للغاز فيه.
إضافة إلى ذلك، تمتلك المصارف المركزية لدول الخليج أكثر من 850 مليار دولار كاحتياطات نقدية أجنبية، في حين أن البنك المركزي الإيراني لا يحتفظ سوى بـ25 مليار دولار، معظمها مُقرض للحكومة والبنوك المحلية، ما يعكس هشاشة شديدة في قدرة البلاد على إدارة التزاماتها.
فساد هيكلي أم استراتيجية تدميرية؟
الحقيقة المؤلمة هي أن ما يحدث لا يُمكن تفسيره فقط بسوء الإدارة. إنه نهبٌ مؤسسي منظم، مدفوع بتحالف بين العسكرة، الفساد، والولاء الأيديولوجي، في ظل غياب كامل لأي شفافية أو محاسبة. كل ذلك يحدث في بلد يُفترض أنه واحد من أغنى الدول بالموارد الطبيعية.
ومع استمرار العقوبات الدولية وسوء الإدارة الداخلية، يبدو أن صندوق التنمية الوطني بات لا يملك من اسمه شيئًا… لا تنمية، ولا مستقبل، ولا حتى سيادة مالية.