إعادة فرض العقوبات على إيران بين التهدئة والتهديد
الدكتور عاصم عبد الرحمن – لبنان
في الأسابيع الأخيرة، عاد الملف النووي الإيراني إلى صدارة الاهتمام الدولي مع اقتراب الموعد الحاسم في تشرين الأول المقبل، حيث يلوّح الأوروبيون باستخدام آلية «سناب باك» أو ما يُعرف بـ «إعادة فرض العقوبات التلقائية» ضد طهران. هذه الخطوة، إذا ما اتُّخذت، ستعيد العمل بالعقوبات الأممية التي كانت مفروضة قبل توقيع الاتفاق النووي عام 2015، ما يعني تصعيداً غير مسبوق في المواجهة بين إيران والمجتمع الدولي.
منذ بداية العام، أعربت دول الاتحاد الأوروبي الثلاث (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) عن قلق متزايد من استمرار طهران في رفع مستوى تخصيب اليورانيوم حتى نسبة 60%، وهو ما اعتبرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية تجاوزاً خطيراً للخطوط الحمر. وعلى هذا الأساس، عقدت سلسلة من الاجتماعات الدبلوماسية في جنيف وفيينا، لم تفضِ إلى نتائج ملموسة، بل زادت من احتمالات التوجه نحو خيار «السناب باك» قبل تاريخ 18 تشرين الأول 2025 تاريخ انتهاء صلاحية هذه الآلية وفق قرار مجلس الأمن 2231.
في المقابل، سعت طهران إلى نزع شرعية أي خطوة أوروبية بهذا الاتجاه، معتبرة أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا لا تمتلك الحق القانوني في تفعيل الآلية بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018. وأكدت وزارة الخارجية الإيرانية على أن إعادة فرض العقوبات ستقابل بـ «إجراءات متناسبة» تشمل تخفيض مستوى التعاون مع الوكالة الدولية وربما التفكير في الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT).
أما روسيا فقد دخلت على خط الأزمة من خلال طرح مبادرة لتأجيل تنفيذ «السناب باك» لمدة ستة أشهر، مبررة ذلك بضرورة منح الدبلوماسية مزيداً من الوقت، لا سيما في ظل اقتراب اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أواخر أيلول المقبل. الموقف الروسي وجد ترحيباً نسبياً في بعض الأوساط الأوروبية التي تخشى من الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة مع إيران قد تزيد من التوترات الإقليمية وتؤثر على أمن الطاقة العالمي.
غير أن العواصم الأوروبية تبدو عازمة على ممارسة أقصى درجات الضغط. فهي ترى أن إيران لم تلتزم بتعهداتها، وأن صبر المجتمع الدولي قد نفد. ومع اقتراب المهل الزمنية، فإنها تميل إلى خيار الحسم، خصوصاً أن آلية «السناب باك» تتيح إعادة العقوبات الأممية بصورة تلقائية من دون الحاجة إلى تصويت جديد في مجلس الأمن، الأمر الذي يحرم روسيا والصين من استخدام حق النقض (الفيتو).
وبينما تتسارع هذه التطورات، لا تزال الأبواب الدبلوماسية مفتوحة نظرياً. فهناك حديث عن إمكان التوصل إلى تفاهمات جانبية خلال اجتماعات نيويورك، أو صياغة ترتيبات مؤقتة تسمح بتخفيف حدة التوتر. إلا أن المؤشرات الحالية لا تبعث على التفاؤل، إذ يصر كل طرف على موقفه، فيما يزداد سباق الزمن نحو تشرين الأول المقبل.
في المحصلة، يقف الملف النووي الإيراني اليوم على مفترق طرق خطير: فإما أن تمضي الدول الأوروبية في تفعيل «السناب باك» وتعيد العقوبات الأممية بكاملها، وهو ما سيُدخل المنطقة والعالم في مرحلة جديدة من المواجهة مع طهران؛ وإما أن تُثمر المبادرات الدبلوماسية، كالمقترح الروسي، عن هدنة مؤقتة تتيح فرصة للتفاوض. لكن حتى الآن، تبقى الصورة ضبابية، والنتيجة النهائية ستتوقف على قرارات الأيام والأسابيع المقبلة.


