ما سر الفساد في القضاء الإيراني !؟
ما سر الفساد في القضاء الإيراني !؟ – يعرف المجتمع الإيراني الحالي تمامًا أن الفساد قد اجتاح قضاء ولاية الفقيه واستشری فیه إلی حد بعید. هل الفساد ظاهرة جدیدة في القضاء الإيراني؟ ما مدى عمق هذا الفساد؟ ومن أين ينشأ؟
كشفت قضية أكبر طبري، التي فتحت خلال حرب الأحزاب القائمة بين صادق لاريجاني وإبراهیم رئیسي، عن فساد واسع النطاق في قضاء ولایة الفقیه.
وبالطبع قبل ذلك، أنذرت الحسابات المصرفية الشخصية لصادق لاريجاني البالغ عددها 63 خلال فترة رئاسته للقضاء إلی جانب انتشار فيلم بواسطة الرئیس السابق أحمدي نجاد حول فساد فاضل لاريجاني، الأخ الأصغر لصادق لاريجاني، بهذا الفساد المستشري في السلطة القضائیة. ولكن السؤال هو هل بدأ الفساد المالي في قضاء النظام منذ ذلك الحين وکان خالیًا منه قبل ذلك؟
نظرة على هيكل القضاء
للإجابة على السؤال أعلاه، نحتاج إلى إلقاء نظرة علی هيكل القضاء في نظام ولاية الفقيه والإجابة على الأسئلة التالية:
لماذا الهیکل القضائي، الذي من المفترض أن تتصدر محاربه الفساد قائمة وظائفه، هو نفسه فاسد؟
هل الفساد المالي مسألة ذاتية ومجردة، أم أنه معلول علة أخرى؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هي العلة أو السبب؟
من أين تنشأ قوانين القضاء التي تصدر بموجبها أحكام الإعدام والرجم وتنفیذ حد الشریعة والتعزير والتعذیب والسجن؟
یقوم النظام القضائي لولاية الفقيه على الأفكار والأیدیولوجیات البالیة منذ قرون، ما يجعل شرح القواعد القضائية لولایة الفقیه وتبیینها لنظام قضائي حديث أمرًا مستحيلًا. وقد قال خمیني بصریح العبارة بعد اغتصابه السلطة في إيران: «نحن نرید خليفة يقطع الأیدي ویفرض الحد الشرعي ويرجم».
على سبيل المثال، في النظام القضائي الحديث للعالم، يعتبر “القتل” أعلى جريمة یعاقب علیها المرء، ولكن في النظام القضائي لولاية الفقيه، يُعتبر “الفساد في الأرض” و”المحاربة”، وهما من عناوين الأفكار الإقطاعية ونظام العبودیة، أعلى الجرائم.
من ناحية أخرى، فإن في الأنظمة القضائية والديمقراطيات الحديثة، يجب أن یمتلك الراغبون في تولي القضاء والحکم في أهم جوانب الحياة، خبرة علمية وتجريبية كافية في مجال القضاء.
ولكن عندما ننظر إلى النظام القضائي لولاية الفقيه، نجد أن التسلح بالكفاءة العلمية والتجريبية والخبرة الكافية في مجال القضاء، هو الأمر الأقل أهمیة.
الحقیقة أن في النظام القضائي لولاية الفقيه، يتم اختيار التسلسل الهرمي للقضاء وتعيين رؤسائه على أساس مدی الولاء إلی رأس النظام أي شخص الولي الفقیه. وتنطبق هذه الحقیقة بشکل ساطع علی رؤساء السلطة القضائية في نظام ولایة الفقیه.
فعقب تولي بهشتي رئاسة القضاء لفترة زمنیة قصيرة، جاء تعيين خميني لعبد الكريم موسوي أردبيلي رئيسًا للسلطة القضائية بناء علی دراسته الحوزویة فحسب دون أن يكون له أدنی خبرة في مجال القضاء. وكان أهم حدث في فترة رئاسة موسوي أردبيلي للقضاء، هو إعدام السجناء السياسيين في صيف عام 1988.
بعد خميني، جاء دور خامنئي لعزل وتعیین رؤساء القضاء. وكان محمد يزدي أول مرشح لخامنئي لرئاسة القضاء. وعملیًا تم تعيين يزدي أول رئيس للقضاء من قبل خامنئي دون أن یکون له سجل قضائي.
وقد تم الكشف عن فساد محمد يزدي المالي في عام 2008 من قبل عباس باليزدار، عضو لجنة التحقيق البرلمانية.
أما هاشمي شاهرودي، الرئيس التالي للسلطة القضائية، فقد تمثلت مسؤوليته الحكومية الوحيدة في کونه عضوًا في مجلس صيانة الدستور لأكثر من أربع سنوات.
وشهد سجل شاهرودي الإجرامي حالات مثل قتل زهرا كاظمي، المصورة الإيرانية الكندية، وموجة توقیف الصحف ومئات عمليات الإعدام المعلنة وغیر المعلنة، والتي شملت بعضها إعدام أشخاص تقل أعمارهم عن 18 عامًا وقت ارتكاب الجريمة، بالإضافة إلى تعيين سعيد مرتضوي، المدعي العام السابق في طهران والذي كُشف لاحقًا أنه متورط في قضية كهريزك عام 2009.
صادق لاريجاني أیضًا لم يكن لديه سجل تنفيذي أو قضائي أثناء تولیه رئاسة السلطة القضائية، باستثناء حضوره لبضع سنوات في مجلس صيانة الدستور.
كما أن الحسابات المصرفیة الشخصیة لصادق لاريجاني البالغ عددها 63 حسابًا خلال فترة رئاسته للقضاء، وانتشار فيلم بواسطة أحمدي نجاد عن فساد أخیه الأصغر فاضل لاريجاني، تعد من سجلات صادق لاريجاني.
أما آخر رئيس للقضاء الإیراني، إبراهیم رئیسي، فقد دخل إلی القضاء بدون شهادة دراسیة أو سجل قضائي ولم یناهز العشرین من عمره. وهو الذي ارتكب مجزرة السجناء السياسيين في الثمانینیات.
الجریمة التي أجبرت منتظري، خليفة خميني آنذاك، على مخاطبة رئيسي قائلًا:
«في رأيي، فإن أكبر جريمة ارتكبت في الجمهورية الإسلامية منذ بداية الثورة حتی الآن قد ارتكبت علی یدیك، وسوف يديننا التاریخ في المستقبل بسببها، ویسجلك مع المجرمين».
القاسم المشترك بين أولئك الذين يتم انتخابهم للقضاء
یتمثل القاسم المشترك لأولئك الأشخاص في الولاء والتفاني لشخص ولي الفقیه أي خميني ومن بعده خامنئي. فضلًا عن عدم التعليم وعدم الخبرة في مجال القضاء.
وقد قال محمد يزدي، أول من عين خامنئي لرئاسة القضاء، خلال فترة رئاسته أن «تعالیم القائد هي الميثاق القضائي للبلاد».
أما القاسم المشترك الأكثر أهمية مما ذکر آنفًا، فیتمثل في السجل الإجرامي الحافل بالفساد والقمع والإعدامات المتواصلة لرؤساء القضاء، الأمر الذي خولهم تولي منصب رئيس السلطة القضائية في نظام ولاية الفقيه.
تبرز أهميته هذا الأمر في حقیقة أنه على عكس الدول الديمقراطية ونظامها القضائي الحديث، حيث يدعم النظام القضائي الشعب ويحقق العدالة لهم وللمجتمع، فإن النظام القضائي في ولایة الفقیه یدافع عن سیادة النظام، الوظیفة التي تُسمی “أوجب الواجبات” في نظام ولایة الفقیه، بينما يجب أن يكون القضاء مدافعًا عن الشعب الإيراني لا الحكومة.
یعتبر القضاء المستقل النزیه، أحد أهم أركان الدولة الديمقراطية إذا لم يكن رکیزتها الأساسية علی الأطلاق، إذ إن دور القضاء والمحاکم لا یقتصر على فض العداء وإقامة العدل فحسب. ففي العصر الحديث، وعندما تم اختراع مؤسسة قویة تُدعی الدولة، توصل الفلاسفة والمنظرون الاجتماعيون إلى فكرة أنه من أجل حماية الناس من سلطة الدولة، يجب إنشاء قضاء مستقل في كل مجتمع.
مسؤولية القضاء المستقل
القضاء المستقل هو أهم حصن للشعب ضد سلطة الدولة باعتبارها نظامًا سياسًا. يجب أن يكون الشعب في مأمن من تدخل النظام السياسي. في نظام سیاسي سلیم وديمقراطي، تکون السلطة القضائية بمثابة حزام أمان لحماية الشعب، لا حمایة الحکومة.
يمكن رؤية الوظيفة القضائية لبلدان العالم بوضوح من خلال محاكمة قادة البلاد هناك، ولكن في إيران، لم يتم تحقيق مثل هذا الأمر ولن يتحقق أبدًا. محاكمة شيراك في فرنسا ومحاكمة نيكسون في الولايات المتحدة هي أوضح أمثلة على الاستقلال القضائي في تلك البلدان.
يمكن القول أنه في نظام ولاية الفقيه، إلى جانب قوات الحرس التي تعتبر أداة عسکریة تضمن الحفاظ على ولاية الفقيه، فإن القضاء أیضًا یعتبر أداة تخدم تحقیق هذا الهدف. بعبارة أخرى، يكمل النظام، من خلال قضائه، عملیات الاعتقال والتعذيب والاتهام والسجن والإعدام والممارسات الإجرامیة لقوات الحرس علی صعید القمع وانتهاك حقوق الإنسان لصالح حكم ولاية الفقيه.