بالنسبة للثورة الإيرانية، ليس هناك عودة للوراء
لما يقرب من ثلاثة أسابيع، احتشد المواطنون من جميع مناحي الحياة ضد نظام الملالي. من العواصم إلى المدن الصغيرة، شارك غالبية السكان الإيرانيين في الاحتجاجات، الأمر الذي غيرّ بشكل كبير وجه المجتمع في البلاد.
يتم هزيمة الخوف ببطء، حيث أصبح الهتاف الرئيسي للشعب “الموت للديكتاتور” و “الموت لخامنئي”.
لقد وصلنا إلى النقطة التي لن تمنع فيها الاعتقالات والتعذيب والإجراءات القمعية الشعب من السير في طريق الحرية. مثل حرائق الغابات، ثورة جديدة تجتاح البلاد وتجد طريقها إلى كل مدينة إيرانية.هذه الثورة وحدّت الشعب. من البلوش إلى الأكراد، يرسلون رسالة تضامن بينما تحارب البلاد لهزيمة النظام.
كانت النساء الشجاعات في طليعة هذه الثورة، النساء اللائي تعرضن للقمع لأكثر من أربعة عقود من قبل أسوأ نظام قامع للنساء في التاريخ بعد الحرب العالمية الثانية.
كان هذا الوضع الحالي متوقعًا، بسبب الوضع الاقتصادي الكئيب في البلاد، والتضخم الجامح، والأسعار المرتفعة للغاية، وقرب السكان من خط الفقر. ومما يزيد الأزمات هو إلغاء الإعانات مؤخرًا، والبطالة المتزايدة، وهجرة النخب في البلاد، والجيل الجديد المحبط الذي لا مستقبل له والذي، وفقًا للتقويم الفارسي، أطلق على نفسه اسم جيل “الثمانينيات” أي الألفين. تبلغ متوسط أعمارهم 20 عامًا.
من خلال رؤية مصير آبائهم، فهؤلاء الشباب غير مستعدين لقبول المزيد من هذا الوضع الحالي، في حين أن نظام الملالي يهدر ثروة البلاد بأكملها على أنشطة خبيثة ويفضّل أمنه على رخاء الشعب. نتيجة لذلك، قررّ الشعب الإيراني الثورة، حتى على حساب حياتهم.
اعتقد النظام أن بإمكانه إخماد انتفاضات الشعب بالعنف كما فعل في الماضي. ومع ذلك، مع اقتراب الاضطرابات الحالية من أسبوعها الثالث، لم تعد الأمور كسابق عهدها. في 3 أكتوبر/ تشرين الأول، قام المرشد الأعلى للنظام علي خامنئي بتحذير الناس من القمع الوحشي الذي كان سيتبع انتقامًا من انتفاضاتهم.
لقد أنكرت الديكتاتوريات تاريخيًا أو قبلت انهيار حكمها الشمولي، حتى في لحظاته الأخيرة، لكن ما أظهره التاريخ هو أنه لا يوجد شيء أقوى من أمّة صاعدة.
في الوقت الحالي، لا يزال بإمكان النظام الاعتماد على قوات حرس نظام الملالي ووزارة الاستخبارات سيئة السمعة وميليشيات قوات الباسيج. غالبًا ما يسقط الطغيان عندما يفقدون قوة مؤسساتهم وأدواتهم القمعية، لذا فهي مسألة وقت فقط في حالة إيران.
لسنوات عديدة، حاول خامنئي دفع القيادة السياسية في البلاد إلى جيل الشباب، الذي أطلق عليه اسم حكومة “حزب الله الشابة”. لكن ما لم يفكر فيه هو عدم وجود جيل موالي أيديولوجيًا لمبادئ النظام، كما حددها مؤسس النظام روح الله الخميني. يمكن ملاحظة ذلك في أسلوب حياة العديد من أطفال النظام، وكثير منهم يعيشون حاليًا في الخارج بثروات هائلة.
في 3 أكتوبر/ تشرين الأول، ناقشت صحيفة اعتماد الحكومية هذا الجيل الجديد الذي ثار الآن على النظام، “لقد مارس هذا الجيل القتال والفوز في ألعاب الفيديو. القضية الأساسية هي الاعتراف بالحياة لكل الشعب الإيراني، وهو ما يعبّر عنه صوت هؤلاء الشباب. إنهم يريدون حياة كريمة ليس فقط لأنفسهم ولكن لآبائهم ولجميع الأجيال الإيرانية. لقد رأوا الحرمان في عيون أمهاتهم وشعروا بألم جهود آبائهم الفاشلة لعيش حياة بسيطة”.
وأضافوا: “هذا الجيل يشكك في أساس قيم النظام ويختار قيمًا ومعايير وأنماط مختلفة. يتم أخذ الأنماط من مساحة الاتصال الخاصة بالعالم الجديد والفضاء الافتراضي. تدرك الأجيال الجديدة أن النساء في جميع أنحاء العالم وعبر التاريخ حاولن الحصول على مطالبهن، لكن لم يكن لأي من هذه المطالب العالمية أي علاقة بالحجاب. فالحقوق التي يطالبون بها أهم بكثير من الحجاب وهي تغطي مجموعة واسعة من القضايا الأساسية في الحياة”.
ثم حذرّت الصحيفة مسؤولي النظام، حيث كتبت: “في الواقع، عندما لا يكون الاهتمام بتحسين حياة المواطنين، وجزء كبير منهم من الشباب، فمن الطبيعي أن يستمرّ هذا الإحباط ويؤدي إلى المزيد من الاحتجاجات. في كل عقد وكل جيل، كانت الأوضاع تزداد سوءًا. وهذا يعني أن نوعية الحياة في الثمانينيات كانت أفضل بكثير مما كانت عليه في فترة التسعينيات، وكانت نوعية الحياة في العقد الأول من القرن الحالي أفضل مما كانت عليه في هذا العقد”.
وفي حديثها عن جذور هذا الوضع، أضافت صحيفة “اعتماد”: “يرغب الشباب الإيراني في حياة طبيعية، ورغم أن بعض التصريحات اقتصادية، إلا أن جذورها اجتماعية. إنه يعني الحد الأدنى من الرفاهية والضمان الاجتماعي والمستقبل المشرق، وبناءً على هذا الأساس، تتصاعد مطالب اجتماعية وثقافية أخرى”.
واختتموا مقالتهم بالقول: “في الواقع، هذه الاحتجاجات ليست فقط احتجاج هذا الجيل ولكنها أيضًا رمز لجميع القيود التي تم وضعها في السياق السياسي والاجتماعي على مدى عقود عديدة. الاحتجاجات الأخيرة هي أيضًا النتيجة الطبيعية لسلوك نظام الحكم الذي لا يهتم بتحسين حياة الناس”.