يواجه النظام الإيراني مأزقاً استراتيجياً وسط تهديدات أمنية ووجودية
في مقابلة مع صحيفة “شرق” الحکومیة، عرض محلل الشؤون الدولية محسن جليلوند وجهات نظره حول موقف النظام وسط الوضع الحرج الحالي. تعكس تعليقاته قلقاً متزايداً بشأن المأزق الاستراتيجي للنظام، الذي يصنّفه كـ “تهديد أمني” و”تهديد وجودي”.
وشدد جليلوند على التحول الحاسم بين هذين النوعين من التهديدات. وأوضح قائلاً: “المسألة الرئيسية هي الانتقال من تهديد أمني إلى تهديد وجودي. يجب على الدول أن تؤدي على النحو الأمثل عندما تواجه هذه التحديات. عندما يواجه بلد تهديداً أمنياً، يمكنه إعادة تعريف وبناء أمنه من خلال التخطيط الاستراتيجي. ومع ذلك، لن يخاطر أي نظام باتخاذ قرارات تهدد وجوده”.
واقترح أن على إيران أن تنخرط في “إعادة تعريف جادة للمعادلات” من خلال دبلوماسية نشطة لمعالجة المخاوف الأمنية. لكنه حذر من أن تهديد الأمن يجب ألا يتحول بأي حال من الأحوال إلى أزمة وجودية للنظام.
في سياق النظام الإيراني، ارتبط مصطلح “الأمن” منذ زمن طويل بالقمع الداخلي. يستخدم النظام مفهوم الأمن ليس فقط كتبرير للقمع الداخلي، بل أيضاً كوسيلة لتبرير سياساته العدوانية في الخارج، بما في ذلك مشاركته في الصراعات الإقليمية ودعمه للميليشيات الوكيلة. يشكل هذان النهجان—القمع الداخلي والعسكرة الإقليمية—ركيزتين متكاملتين لنهج النظام في الحفاظ على السلطة.
تشير تصريحات جليلوند أيضاً إلى فشل هذه السياسات. حيث يُقر بشكل غير مباشر بأن استراتيجية النظام في تصدير أيديولوجيته والانخراط في صراعات إقليمية قد ارتدت عليه، مما حول ما كان في البداية تهديداً أمنياً إلى أزمة وجودية.
كانت القيادة الإيرانية، مدعومة بإيرادات النفط، تتباهى ذات يوم بطموحاتها لتغيير “جغرافية العالم”. وقد أعرب خامنئي عن رغبته في توسيع نفوذ إيران في جميع أنحاء العالم الإسلامي. حيث يعتبر الدول المجاورة ذات الأغلبية المسلمة جزءاً من رؤيته لخلافة إسلامية أوسع.
في خطاب له بتاريخ 25 مارس 2006، قال خامنئي: “اليوم، ينظر مليار ونصف مليار مسلم في مختلف أنحاء العالم إلى هذا العلم [علم النظام الإيراني]. هذه هي العمق الاستراتيجي لأمتنا وثورتنا في الدول الإسلامية في المنطقة—فلسطين، شمال أفريقيا، الشرق الأوسط، آسيا الوسطى، وشبه القارة”.
وعلى مر السنين، قامت إيران بتكوين العديد من الجماعات الوكيلة في الدول العربية تحت ذريعة الدفاع عن المواقع الإسلامية المقدسة مثل كربلاء، والنجف، والمسجد الأقصى. وتبرر نشر ضباط الحرس الإيراني إلى دول مثل سوريا، والعراق، واليمن كـ “مساعدة استشارية”، لكن الهدف الحقيقي هو تمديد نفوذ إيران.
وفي 5 فبراير 2016، قال خامنئي: “لو لم يقاتل هؤلاء [المدافعون عن المقدسات كما يُطلق عليهم]، لكان العدو قد دخل إلى البلاد. ولو لم يتم إيقافهم، لكان علينا القتال معهم هنا في كرمانشاه، وهمدان، وباقي المحافظات”.
ويشير تحليل جليلوند إلى أن السياسات الخارجية العدوانية للنظام قد فشلت في معالجة أهم قضية داخلية له: احتمال انتفاضة شعبية وسقوط النظام في نهاية المطاف. الصراع الذي أشعله النظام، خاصة بمشاركته في الحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023، تصاعد الآن ليشكل تهديداً وجودياً خطيراً.
ومع مواجهة النظام لهذا المأزق الاستراتيجي، يصبح أكثر عرضة للخطر. فعدم قدرته على حل هذه التحديات، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، يفتح الباب أمام مزيد من الاضطرابات الداخلية. استنتاج جليلوند واضح: بقاء النظام أصبح الآن في خطر، واستمرار هذه السياسات قد يمهد الطريق لانتفاضة شعبية وسقوط النظام في النهاية.
اعتماد النظام الإيراني المفرط على الصراع الخارجي والقمع الداخلي قد وصل إلى نقطة حاسمة. ما بدأ كاستراتيجيات لتعزيز الأمن وتوسيع النفوذ الإقليمي تحول الآن إلى تهديد لوجود النظام نفسه. ومع تصاعد الضغوط على النظام داخلياً وخارجياً، قد يؤدي هذا المأزق الاستراتيجي إلى نقطة تحول تاريخية في مستقبل إيران السياسي.