احتجاجات واسعة وهيمنة مافيا الأدوية على حياة الإيرانيين
يوم الثلاثاء 4 فبراير، شهدت طهران موجة جديدة من الاحتجاجات قادها تجار السوق، وخاصة بائعي المواد الغذائية، الذين أغلقوا محالهم اعتراضًا على الارتفاع الحاد في أسعار العملات، والتضخم، والضرائب الجائرة. كانت هذه التظاهرات جزءًا من حركة احتجاجية أوسع وأطول مدى، تشارك فيها مختلف الفئات المظلومة، لا سيما المتقاعدون الذين يواصلون احتجاجاتهم ضد سياسات النظام القمعية.
وردد المحتجون الغاضبون شعارات مثل «عدونا هنا»، مؤكدين أن المشكلة الحقيقية تكمن في المافيا الحاكمة الفاسدة التي تواصل نهب ثروات الشعب بينما تحتجز أرواحهم وصحتهم رهينة لمصالحها.
أحد أكثر المشاهد تعبيرًا عن هذا الغضب جاء من المتظاهرين في مدينة أراك، حيث رفعوا لافتة كبيرة كتب عليها: «تحولنا من مركز صناعي إلى مركز للسرطان»، في إشارة إلى الأزمة البيئية والصحية الخطيرة الناجمة عن الفساد والإهمال المتعمد من قبل النظام.
وأعلن رئيس هيئة الغذاء والدواء في إيران عن ارتفاع أسعار 370 نوعًا من الأدوية، في حين كشفت بعض وسائل الإعلام التابعة للنظام أن أسعار بعض الأدوية الخاصة شهدت ارتفاعًا بنسبة 400%. وتحت عنوان «شراء الدواء أصبح رفاهية… العلاج للأغنياء فقط»، جاء في أحد التقارير: «تكلفة بعض الوصفات الطبية تجاوزت 500 مليون تومان لدواء واحد فقط، ما يعكس بوضوح استخفاف السلطات بحياة المواطنين وتجاهلها للوضع الصحي المتدهور» (آرمان امروز وبهار نيوز، 3 فبراير).
وهذا ليس سوى مثال واحد على كيفية استغلال مافيا الدواء – التي تعمل تحت حماية النظام – حياة المواطنين من أجل تحقيق مكاسب مالية هائلة.
وحتى بعض المؤسسات العمالية التابعة للنظام أعربت عن سخطها من هذه الكارثة. فقد صرح رئيس ما يُعرف بـ«نقابة قدامى العمال» قائلًا: «الدواء أهم من الطعام بالنسبة للمحتاجين، فهو يتعلق بحياة الإنسان. بقاء المجتمع يعتمد على توفير الأدوية، فلماذا يتم إغلاق جميع الأبواب في وجه الفقراء والعمال؟» (إيلنا، 1 فبراير).
كما سلطت وسائل إعلام حكومية الضوء على الفساد المنتشر داخل قطاع الأدوية. ففي تقرير لموقع پیام ما (2 فبراير)، جاء:
“هذه المافيا التي تسيطر على سلسلة التوريد بالكامل، تستفيد من تخصيص العملات الحكومية والمزايا الخاصة، وتحتكر الإنتاج والتوزيع، مما أدى إلى ارتفاع غير منطقي في أسعار الأدوية. ويتم تهريب جزء كبير من الأدوية إلى السوق السوداء بدلًا من توزيعها بشفافية في الصيدليات، ليتم بيعها بأسعار خيالية، تاركة المرضى في مواجهة مصير قاتم. هذا الاحتكار والفساد الاقتصادي، إلى جانب ضعف الرقابة، وفرا بيئة خصبة لارتكاب تجاوزات واسعة النطاق.”
أما تقرير تسنيم (26 يناير)، فقد كشف بوضوح عن الدور المشبوه لمافيا الدواء:“لأكون صادقًا، الحديث عن ندرة الدواء مضلل. الحقيقة أن الدواء متوفر، ولكن المافيا تحتكره ولا توفره للصيدليات. وبدلًا من ذلك، يتم بيعه من خلال وسطاء ومنصات إلكترونية لضمان تحقيق أقصى ربح، فيما يضطر المرضى اليائسون لدفع أي سعر يُطلب منهم.”
“بأي ثمن”، تعني استنزاف آخر قطرة من دماء المرضى. فكلما كان المريض في حالة أشد، وكلما كان علاجه أكثر تعقيدًا، كلما رفعت مافيا الدواء الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.
أحد التقارير تحدث عن مريض مصاب بسرطان القولون اضطر لبيع كل ما يملك لتأمين الدواء اللازم لإنقاذ حياته. في البداية، نصحوه بعدم الاعتماد على الصيدليات، بل التعامل مباشرة مع سماسرة الأدوية الذين عرضوا عليه أسعارًا متقلبة ومتفاوتة للدواء نفسه – من 5 ملايين إلى 15 مليونًا، وصولًا إلى 27 مليون تومان خلال شهر واحد فقط.
أما غالبية الإيرانيين، الذين لا يمتلكون هذه المبالغ الطائلة، فلا خيار أمامهم سوى الاستسلام للموت.
من يقف وراء مافيا الدواء؟
لا تكشف وسائل الإعلام الحكومية عن الأسماء الحقيقية للمتورطين في هذه الجرائم. لكن الشعب الإيراني يعرف جيدًا من هم.
من المعلوم أن شركة بركت للأدوية تابعة لـ مؤسسة تنفيذ أمر خميني الملعون وهي كيان خاضع مباشرة لسلطة الوليالفقیة علي خامنئي.
كما أن شركات مثل البرز دارو وسبحان دارو تحتكر صادرات الأدوية إلى العراق وسوريا واليمن وكازاخستان وغيرها.وإلى جانب ذلك، فإن شركات مثل ثامن للأدوية وتوليد دارو وسبحان أونكولوجي تُدار بالكامل من قبل حرس النظام الإيراني ومؤسسة تنفيذ أمر خمیني.
وقبل ثلاثة أشهر، لقي العشرات من مرضى غسيل الكلى حتفهم بسبب تلقيهم أدوية ملوثة أنتجتها شركة ثامن للأدوية. وقد اعترفت وسائل الإعلام الحكومية لاحقًا بأن هيئة الغذاء والدواء كانت على علم بهذه الكارثة منذ يونيو 2023، لكنها تعمدت التستر عليها، مما أدى إلى وفاة أكثر من 70 مريضًا حتى الآن (خبر أونلاین، 5 نوفمبر).
ولا يزال الإيرانيون يعانون من الجراح التي تسببت بها شركة بركت القابضة، التي جمعت أرباحًا ضخمة من خلال إنتاج لقاحات غير مطابقة للمواصفات خلال جائحة كورونا، ما أدى إلى مقتل الآلاف وترك الكثيرين يعانون من مضاعفات صحية خطيرة.
في النهاية، فإن هذه المافيا – التي تحميها الدائرة الضيقة للوليالفقیة والحرسالنظام – لن يتم اجتثاثها إلا بسقوط الديكتاتورية الحاكمة. وحده القضاء على هذا النظام غير الشرعي كفيل بإنهاء هيمنة هذه العصابات الإجرامية على حياة الإيرانيين.