الالتماس القانوني لإرهابيي النظام هو فرصة للمطالبة بالمساءلة على نطاق أوسع
ستنظر أحد المحاكم في مدينة أنتويرب البلجيكية يوم الأربعاء القادم في استئناف(الالتماس القانوني) ضد ثلاثة أفراد أدينوا في فبراير/ شباط الماضي لدورهم في مؤامرة إرهابية أمر بها نظام الملالي.
وحكم على كل من هؤلاء الثلاثة مزدوجي الجنسية الإيرانية-البلجيكية بالسجن ما بين 15 و 18 عامًا، بينما حكم على العقل المدبر للمؤامرة، دبلوماسي نظام الملالي الذي يدعى أسد الله أسدي، بالسجن لمدة 20 عامًا. رفض أسدي تقديم استئناف في أعقاب الدفاع الذي اعتمد بشكل شبه كامل على التأكيد على أنه يجب أن يحصل على حصانة دبلوماسية.
إن اعترافه الضمني بالذنب يعود بالسلب على استئناف (الالتماس القانوني) شركائه المتآمرين، والتي قد لا تؤدي إلا إلى لفت الانتباه الدولي المتجدد إلى قضية يشعر العديد من النقاد بأنها قد طمست عن صانعي السياسة الأوروبيين. في وقت قريب من إدانة فبراير / شباط الماضي، حثّ المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه على اتخاذ إجراءات جادة لتوسيع نطاق المساءلة بما يتجاوز الأشخاص الأربعة المتورطين بشكل مباشر في مؤامرة الإرهاب لعام 2018 التي استهدفت تجمعًا سياسيًا نظمه المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية قرب العاصمة باريس.
بلغ عدد الحضور في هذا المؤتمر نحو 100000 شخص، بما في ذلك العشرات من الشخصيات السياسية الأوروبية والأمريكية. كان الهدف الأساسي لمؤامرة أسدي هو الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، مريم رجوي. أفاد الخبراء أنه إذا تم تفجير القنبلة كما كان مخطط له، فمن المحتمل أن يكون عدد القتلى الفوريين بالمئات، مع احتمال أن يؤدي التدافع اللاحق إلى زيادة عدد القتلى بشكل كبير.
تم تفجير القنابل والمتفجرات من قبل فرقة مفرقعات بلجيكية بعد اكتشافها في سيارة اثنين من المتآمرين مع أسد الله أسدي، أمير سعدوني ونسيمه نعمي. على الرغم من تطهير المنطقة إلى ما كان يعتبر مسافة آمنة، أصيب ضابط شرطة بجروح طفيفة جرّاء الانفجار القوي، كما تم تدمير إنسان آلي. كانت المتفجرات المسؤولة عن تلك الأضرار قد شقّت طريقها سابقًا عبر ثلاث دول أوروبية على الأقل في طريقها إلى الحدود الفرنسية، بعد أن نقلها العقل المدبر للمؤامرة من إيران إلى النمسا، مستخدماً حقيبته الدبلوماسية لتجنب الفحوصات الأمنية.
بعد اعتقال سعدوني ونسيمه على الحدود، تم القبض على أسدي في ألمانيا أثناء محاولته العودة إلى النمسا والوصول إلى السفارة الإيرانية التي كان يتردد عليها. من المفهوم الآن أنه بينما كان يعمل تقنيًا كمستشار ثالث في تلك السفارة، كان أسدي في الواقع يعمل كرئيس المكتب الأوروبي لوزارة الاستخبارات والأمن التابعة لنظام الملالي. وقد تم الكشف عن تفاصيل هذا الدور من خلال الوثائق التي تم الحصول عليها من سيارة أسدي وقت اعتقاله. وكان من بينها إيصالات المدفوعات الممنوحة لمختلف الوكلاء، بالإضافة إلى ملاحظات مكتوبة بخط اليد تتعلق بالاجتماعات ذات الصلة.
وقد تم الإبلاغ عن أن تلك الاجتماعات قد عُقدت في ما لا يقل عن 22 مدينة في 11 دولة مختلفة. سافر أسدي إلى أكثر من 100 موقع في ألمانيا، حيث رصدت وكالات الاستخبارات المحلية مجموعة متنوعة من الأنشطة غير المشروعة من قبل عملاء تابعين لنظام الملالي في السنوات الأخيرة، بما في ذلك شراء معدات ذات تطبيقات محتملة لبرنامج أسلحة نووية. جاءت فرنسا في المركز الثاني من حيث عدد أماكن الاجتماعات التي تم عقدها لهؤلاء العملاء، حيث تم تحديد 42 موقعًا للاجتماعات هناك.
امتدّت شبكة أسدي أيضًا من النمسا إلى المجر وسويسرا وبلجيكا، بالإضافة إلى جمهورية التشيك وهولندا والسويد. أصبح آخر هذه العناصر أكثر أهمية في العام الذي تلا إحباط مؤامرة التفجير، حيث ألقت السلطات السويدية القبض على أحد مسؤولي السجون الإيرانية السابقين بعد وصوله لزيارة الدولة الاسكندنافية (السويد) في عام 2019.
لا تزال محاكمة حميد نوري جارية حتى الآن وتم نقلها مؤخرًا من ستوكهولم إلى دوريس بألبانيا من أجل الاستماع إلى شهادة من سبعة شهود عيان يقيمون في مجتمع ألباني تم بناؤه من قبل الجماعة الرئيسية للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، منظمة مجاهدي خلق الإيرانية.
نوري متهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم قتل جماعي نتيجة تورطه في مذبحة راح ضحيتها 30 ألف سجين سياسي إيراني خلال صيف عام 1988. إنه أول شخص يواجه تبعات قانونية لهذه الجريمة الشنعاء ضد الإنسانية، وقد حثّ النشطاء المرتبطين بمنظمة مجاهدي خلق المجتمع الدولي على اعتبار اعتقاله حالة اختبار لـ “الولاية القضائية العالمية”، وهو مبدأ يسمح للقانون الدولي بمحاكمة منتهكي حقوق الإنسان ومرتكبي في أي مكان، بغض النظر عن مكان حدوث الجريمة.
وعلى وجه الخصوص، كانت منظمة مجاهدي خلق تضغط من أجل توجيه اتهامات ضد إبراهيم رئيسي، الذي تم تنصيبه كرئيس لنظام الملالي في أغسطس/ آب الماضي، والذي لعب دورًا رئيسيًا في مذبحة عام 1988 باعتباره أحد المسؤولين الأربعة في “لجنة الموت في العاصمة طهران”.
الالتماس القانوني لإرهابيي النظام
ومع ذلك، ظلّ النشطاء الإيرانيون متشككين في احتمالات تبنّي صانعي السياسة الغربيين لتوصياتهم. يمكن القول إن هذا الشك قد تعزز بسبب النقص النسبي في الاهتمام بمؤامرة الإرهاب لعام 2018، حتى في مواجهة النداءات الحالية. في كلتا الحالتين، يميل منتقدو السياسات الغربية الحالية تجاه إيران إلى عزو التقاعس إلى دوافع تصالحية طويلة الأمد، والتي تم تضخيمها فقط في خضمّ التدافع لإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، أو مايعرف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.
ومن المقرر حاليًا استئناف المحادثات الهادفة إلى استعادة هذا الاتفاق في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني، بالصدفة في نفس المدينة الأوروبية التي أمضى فيها أسدي سنوات في تنمية شبكة الاستخبارات والجاسوسية ونشطاء الأرهاب الخاصة به. يواصل المشاركون في تلك المحادثات التعامل مع إدارة رئيسي كما لو كانوا يتوقعون منها أن تعمل كشريك مفاوض حسن النية، حتى بعد أن وضع إبراهيم رئيسي مجموعة متنوعة من الشخصيات المتشددّة في المناصب الحكومية الرفيعة، بما في ذلك العديد ممن هم تحت العقوبات بتهمة الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان، ويخضع اثنان منهما لمذكرات توقيف دولية لدورهما السابق في الهجمات الإرهابية.
إن السعي وراء التعاملات بشكل طبيعي مع إدارة رئيسي، من شانه أن يهدد بزيادة جرأة جميع الأنشطة الخبيثة للنظام. يتفاقم هذا التهديد من خلال عدم الانتباه المستمر للتهديد الإرهابي لهذا النظام المجرم، ليس فقط بسبب الرسالة التصالحية التي يرسلها ولكن أيضًا لأنه يترك الشبكات الإرهابية التي ثبت وجودها في أعقاب مؤامرة 2018 الإرهابية على حالها. على الرغم من أن أسد الله أسدي حُكم عليه بالسجن لمدة 20 عامًا، فلا يوجد سبب للاعتقاد بأن شبكته قد انهارت من تلقاء نفسها. لا يزال يتعين تفكيكها، ولكي يحدث ذلك ، يحتاج المجتمع الدولي إلى إعطاء الأولوية لمواجهة التهديد الإرهابي الإيراني.
أفضل وقت للقيام بذلك كان مباشرة بعد إحباط مؤامرة أسدي. لكن نداء أتباعه يقدم فرصة ممتازة أخرى لجعل الموضوع في المقدمة والوسط في المناقشات السياسية وللاتفاق على وسيلة لإرسال رسالة ردع واضحة إلى نظام الملالي. يتكون جوهر هذه الرسالة من رسائل التجسس المضاد وإنفاذ القانون ضد عملاء نظام الملالي في جميع أنحاء أوروبا، ولكن من المتوقع أن يتم تعزيزها من خلال العقوبات الاقتصادية متعددة الأطراف والضغوط الدبلوماسية الجديدة.
وقد يتعزز الأمر أكثر من خلال تنفيذ مذكرات توقيف بحق أمثال وزير داخلية النظام، أحمد وحيدي، الذي أشرف على تفجير 1994 لمركز أميا الأرجنتيني، أو لرئيس النظام إبراهيم رئيسي، الذي أشرف على مقتل 30 ألف شخص في عام 1988. لا يوجد سوى أمر واحد فقط في غاية الوضوح، ألا وهو: لا يمكن لكبار المسؤولين في نظام الملالي التهرب من المساءلة عن أخطائهم، على الأقل عندما لا تزال أفعالهم تشكل تهديدًا عالميًا حتى يومنا هذا.