الضغط على نظام الملالي سينهي عقودًا من الإفلات الممنهج من العقاب- واجه نظام الملالي في إيران تحديًا غير مسبوق من الشعب الإيراني في السنوات الأخيرة. حيث إنه في يناير/ كانون الثاني 2018، انخرطت أكثر من 100 مدينة وبلدة في سلسلة من الاحتجاجات التي ركزت في البداية على القضايا الاقتصادية ثم توسعت لتشمل هتافات مثل “الموت للديكتاتور” ودعوات لتغيير النظام. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، شملت هذه الاحتجاجات ما يقرب من 200 بلدة مع انتفاضة أخرى على مستوى البلاد، وفتح مسؤولو النظام النار على الحشود، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1500 شخص.
لكن حتى هذا لم يضع حدًا للاضطرابات، فقد عاد الإيرانيون إلى الشوارع في أكثر من اثنتي عشرة محافظة في يناير/ كانون الثاني التالي، احتجاجًا على المؤسسة نفسها التي قادت العمليات القمعية التي أدت إلى حالات القتل، وهي “قوات حرس نظام الملالي”. وأدت جائحة فيروس كورونا في الفترة الأخيرة إلى تراجع الاضطرابات العامة، ولكن على الرغم من أن إيران لا تزال تعاني من أحد أسوأ معدلات تفشي المرض في العالم، يبدو أن صبر مجتمع النشطاء قد نفذ.
حيث كانت الاحتجاجات في الأساس سمة ثابتة للمجتمع الإيراني منذ أن أجرى نظام الملالي انتخابات زائفة لتنصيب رئيسه المقبل في 18 يونيو/ حزيران. حيث قاطعت الأغلبية الساحقة من الشعب الإيراني تلك الانتخابات من أجل إدانة العملية نفسها، وكذلك بسبب سجل المرشح المختار مسبقًا “إبراهيم رئيسي”، حيث أنه في صيف عام 1988، لعب دورًا رائدًا في مذبحة 30000 سجين سياسي، ومؤخرًا قاد القضاء قبل وبعد انتفاضة 2019 وأشرف على التعذيب الممنهج للناشطين المؤيدين للديمقراطية، والذي استمرتعذيبهم لأشهر بعد وقوع الاحتجاجات.
كان الوعي العام بهذه الحوادث بلا شك قوة دافعة رئيسية وراء مقاطعة الانتخابات، ولا شك أنه لا يزال قوة دافعة وراء الاحتجاجات المستمرة، على الرغم من أن العديد من هذه الأحداث كان سببها قضايا محددة مثل نقص المياه في مقاطعة خوزستان.
وفي واحد من ثلاثة خطابات تم إلقائها خلال مؤتمر”من أجل إيرن الحرة” الذي استمر لثلاثة أيام، قالت زعيمة المعارضة الإيرانية، السيدة مريم رجوي، إنه مع تنصيب رئيسي، ستدخل إيران”حقبة جديدة” يصحبها تزايد غير مسبوق في”الخصومة والعداء بين نظام الملالي والمجتمع الإيراني”. وتم التنصيب يوم الخميس بحضور مؤسف لوفد أوروبي ساعد على إضفاء الشرعية لــ”رئيسي” على الرغم من أنه مرفوض تمامًا من قِبل الشعب الإيراني نفسه. كانت هذه الخطوة متناقضة وقوضت التزام الاتحاد الأوروبي بالمبادئ الدولية لحقوق الإنسان، كما أنها تثير أسئلة مهمة حول ما يمكن أن تفعله القوى الغربية في مواجهة الزيادة المتوقعة للقمع في إيران.
وقدم المشاركون في القمة العالمية “من أجل إيران الحرة“، بما فيهم مشرّعون بارزون وخبراء في السياسة الخارجية من جميع أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية، بعض الاقتراحات لمسار العمل الصحيح. حيث أكد الكثيرون على أهمية التحقيق الرسمي في مذبحة عام 1988، مستشهدين بها على أنها شيء من شأنه أن يؤدي إلى نهاية الإفلات من العقاب الذي يتمتع به النظام منذ فترة طويلة في الأمور المتعلقة بحقوق الإنسان. وأصدرت منظمة العفو الدولية نداءً مشابهاً تمامًا لأخذ موقف جاد في أعقاب الانتخابات الزائفة لـ “رئيسي” وكذلك مرة أخرى أثناء تنصيبه.
وقالت منظمة العفو الدولية في بيانها الأخير:”يجب على المجتمع الدولي، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، الذي أرسل “إنريكي مورا” إلى حفل تنصيب رئيسي، أن يُظهر علنًا التزامه بمكافحة الإفلات الممنهج من العقاب في إيران فيما يخص عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء وغيرها من عمليات القتل غير القانونية والاختفاء القسري والتعذيب”.
والجدير بالذكر أن الأهداف الرئيسية لتلك الحملات كانت تستهدف “منظمة مجاهدي خلق الإيرانية“.
واعترف أحد القادة الذي سلطته لا تقل عن “خامنئي” نفسه بأن منظمة مجاهدي خلق كانت القوة الدافعة وراء كلتا الانتفاضتين الأخيرتين. كما لعبت “وحدات المقاومة التابعة لمجاهدي خلق” دورًا رئيسيًا في الترويج لمقاطعة انتخاب رئيسي، وحتى تقديمها للجمهور كوسيلة للتصويت من أجل تغيير النظام.
حيث تمثل هذه التطورات التي حققتها “حركة المقاومة” سببًا رئيسيًا وراء اختيار خامنئي لـ “رئيسي” كمرشح وحيد في الانتخابات الزائفة في 18 يونيو/ حزيران. حيث أن تاريخه في انتهاكات حقوق الإنسان جعله مرشحًا رئيسيًا لمواصلة حكومة الملالي زيادة “الخصومة والعداء” الذي تنبأت به السيدة رجوي. ويُفترض أن النظام توقع أنه من خلال الميل إلى هذه الاستراتيجية، فإنه سيواجه انتقادات لاذعة من منظمات مثل العفو الدولية. ولكن ربما كان من المتوقع أيضًا أنه بدلاً من انتقاد بعض المنظمات للنظام، سيرسل الاتحاد الأوروبي ممثلين عنه إلى حفل تنصيب رئيسي ويغض الطرف عن جرائمه السابقة، كما فعل بشكل عام لأكثر من 30 عامًا.
ولم يفت الأوان بعد لكي يثبت الاتحاد الأوروبي أو المجتمع الدولي ككل خطأ خامنئي في هذا الافتراض. ولم يفت الأوان بعد للدعوة إلى إجراء تحقيق رسمي في مذبحة عام 1988 أو فرض عقوبات قانون ماغنيتسكي على رئيسي من أجل توضيح أن العواقب لا تزال تلوح في الأفق بالنسبة لمثل هذه الجرائم ضد الإنسانية. كما لم يفت الأوان بعد لجهود الشعب الإيراني الرامية إلى إزالة النظام القمعي لصالح الحكم الديمقراطي والحريات المدنية.
وعلي كلٍ، يبدو نظام الملالي واثقًا من أن التهديدات الرئيسية الوحيدة لحكمه تأتي من داخل المجتمع الإيراني. على الرغم من أن مثل هذه التهديدات قد ازدادت حدة في السنوات الأخيرة، إلا أن النظام يرى أيضًا، أنه من خلال تسليم المناصب القيادية العليا لأسوأ منتهكي حقوق الإنسان، يمكنه قمع المعارضة بشكل فعال بما يكفي للحفاظ على قبضته على السلطة.
لا يمكن لطهران أن تتصدى بشكل فعّال للتهديدات التي يتعرض لها النظام عندما تأتي في وقت واحد من الشعب والمجتمع الدولي. تتضمن الفئة الأولى من التحديات صراعًا مباشرًا، لكن الفئة الأخيرة لا تحتاج إلى أن تفعل الشيء نفسه. يكفي للقوى الغربية عزل نظام الملالي ومتابعة المساءلة القانونية لأسوأ المجرمين، وبالتالي إضعاف نظام ضعيف بالفعل مع ترك العمل الحقيقي لتغيير النظام للشعب الإيراني نفسه.