الکلمة الأخیرة للمتظاهرین في المشهد السیاسي العراقي
نظرة علی انتفاضة الشعب العراقي بعد هلاك الحرسي قاسم سلیماني
3 ـ 4
بقلم عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*
الکلمة الأخیرة للمتظاهرین في المشهد السیاسي العراقي – بات المتظاهرون العراقيون يدركون الآن جيداً أنّ الحكومة الحاکمة في بلدهم هي وکیلة للنظام الإیراني الذي لطالما وصفَ العراق والمنطقة بـ “العمق الاستراتيجي” التابع له وغرس مخالبه الحادّة صدور العراقيين، وتلاعب في مصیر المنطقة بأکملها بناءً على وصفه الكاذب هذا.
قام جمیع المسؤولين في الحكومة العراقیة على مدار الـ 17 عاماً الماضية بتقدیم مصالح النظام الإیراني وأمنه علی مصالح بلدهم العراق وأمنه، وقمعوا وقتلوا الشعب العراقي ومعارضي النظام الإيراني في العراق بطرق مختلفة.
ولهذا السبب أیضاً لم یکتفِ المتظاهرون العراقیون وعلی رأسهم جیل الشباب الثوري الذين حوّلوا ساحات وشوارع بلادهم إلى ساحة ومنطلق للمطالبة بالحرية، بإقالة “عادل عبد المهدي” عن منصب رئیس الوزراء، بل إنهم رفعوا سقف مطالبهم الآن إلی المطالبة بتقدیم جمیع مسؤولي الحکومة للعدالة ووضع حد لتدخّل النظام الإیراني في بلادهم.
في الحقیقة لا يريدون أن تکون بلادهم ساحة حرب للأطراف المتنازعة أو بؤرة لتصفیة الحسابات بین الأحزاب والملیشیات الإرهابیة التابعة للنظام الإیراني ومسرحاً لقتل الشعب العراقي ومعارضي النظام باعتبار العراق “الحدیقة الخلفیة” لنظام الملالي.
هؤلاء المتظاهرون غاضبون جداً لأنهم يرون أنّ جميع المناصب الرئیسیة والمؤسسات الاقتصادية الحیویة في بلدهم یحتلها عملاء النظام الإيراني والتيارات التابعة له بینما یتعرّض أصحاب الأرض الثریة بکافة شرائحهم للقمع والقتل والتهمیش من قبل صبية وخدم النظام الإيراني ، وهاهم يسعون إلی تغییر مستقبلهم بأنفسهم.
في هکذا سياق یری المتظاهرون بأنّ المنظومة الحاکمة بکافة مکوّناتها لا تستحق البقاء في السلطة ویتوّجب علیها الرحیل، وهم يطالبون بحکومة وطنیة حديثة تأتي في سياق الديمقراطية والسیادة الذاتیة ویطمحون إلی حجز مکانة مرموقة لأنفسهم داخل المجتمع البشري الحديث.
الشعب العراقي الثائر قد ضاق ذرعاً بالأقلية الحاكمة التي تعتبر نفسها مندوبة الشعب لكنها في الحقیقة قد عُیّنت من قبل مجرمین أمثال قاسم سليماني ونظام الملالي الإجرامي، وجعلت أرض الوطن جسراً لعبور النظام الإیراني بمخططه التوسعي وتحویل المنطقة إلی ساحة حرب تفتقر إلی الأمن.
المتظاهرون العراقیون الأحرار يطالبون بفتح قضية جرائم النظام الإيراني ومیلیشیاته الإرهابیة في العراق ويدعون المجتمع الدولي إلى التعاون معهم. كما يريدون إغلاق سفارات وقنصليات النظام في أراضي بلدهم والتي هي أوکار للتجسّس والإرهاب لیس أکثر. فقد أظهرت السنوات الـ 17 الماضية أنّ النظام الإيراني ليس صديقاً للعراقيين، بل إنه عدوهم الرئیسي المتنکّر بقناع الصدیق، ولقد حصد حتى الآن أرواح مئات الآلاف من العراقيين. هم غیر راضين عن عمل قوات التحالف بقیادة الولايات المتحدة التي فتحت الأبواب أمام النظام الإیراني لاحتلال العراق وارتکاب أبشع الجرائم في حق شعبه، ویطالبونها بإنهاء احتلال الملالي للعراق.
وقد أکدّت المواقف الأخيرة للأكراد والسنة في الأسابيع الأخيرة بما في ذلك لقاء الرئيس العراقي بنظیره الأمریکي على هامش مؤتمر دافوس هذا الإجماع الشعبي على هذا الأمر والمتمثل بضرورة طرد إيران وما يرمز لها من حياة العراقيين، ما يعني فضح مشروع القانون الذي تمّ إقراره في البرلمان العراقي بشأن انسحاب القوات الأمريكية من العراق، وتوثیق انفصال السنة والأكراد عن المرتزقة المدعومين من قبل النظام الإيراني تحت مسمی “الشيعة”.
بعبارة أخرى فإنّ مكونات الشعب العراقي بأكمله -وخاصة الأكراد والسنة- يدركون جيداً العواقب الخطيرة لمشروع القانون الذي تمّ إقراره في البرلمان العراقي والذي وقعت علیه التیارات السیاسیة التابعة للنظام الإیراني، ولن يقوم هو بالتوقیع علی هکذا مؤامرة خبیثة للنظام مما یمثّل خطوة نوعية في مسار فشل إستراتيجية النظام الإيراني في العراق.
هل ستنسحب القوات الأمریکیة من العراق؟
من المستبعد أن يعتقد النظام الإيراني ورئيس وزراء الحکومة العراقیة أنه بإمكانهما إنهاء الوجود الأمريكي في العراق.
المرجّح أنّ هکذا أمر لا یتجاوز کونه بروباغاندا إعلامیة یکرّسها النظام الإیراني للاستهلاك الداخلي لا أکثر، کما حصل بشأن مسرحیة إطلاق الصواریخ علی قاعدة “عین الأسد” التابعة للقوات الأمریکیة في بغداد. خاصة وأن مشروع القانون الذي تمّ إقراره في البرلمان العراقي یفتقر إلى ضمانات تنفيذية.
في هذا الصدد یمکننا أن نصل إلی استنتاج نهائي من خلال الموقف الأمريكي إزاء الأمر، الولايات المتحدة تمتلك أقوى قاعدة في العراق، وحتى المحاولات متعددة الأشكال للنظام الإيراني لن تتمکّن من طرد القوات الأمريكية بالکامل من العراق. لأن أمريكا لم تدخل ببساطة إلى هذه الأرض حتی تضطر إلی مغادرتها بسهولة!
تجدر الإشارة إلى أنّ مشروع القانون البرلماني والتهديد بإنهاء الوجود الأمریکي من قبل عملاء النظام الإيراني، لم یؤد إلی أي تغيير في سير انتفاضة الشعب العراقي المتواصلة. بل علی العکس فإنّ الانتفاضة تتواصل وتكبر وتزداد نضجاً بمرور الأيام .
الدور الحیوي للمتظاهرین في تحدید مصیر الشعب العراقي
مع مرور كل يوم یتّضح أکثر أنّ إصرار المتظاهرین علی تحقیق مطالبهم وأهدافهم هو الطريقة الوحيدة لتحقيق النصر. أي تنازل أمام الحكومة العميلة أو استثناء أي مسؤول من المطالبة بتقديمه للعدالة بتهمة العمالة والتبعية للنظام الإيراني سوف يقوّض الانتفاضة ویخمدها ويؤدي إلی تراجع المتظاهرین عن مطالبهم.
مسیرة المقاومة والصمود وعدم التصالح مع الحکومة واستمرار الانتفاضة، هي خیارات متاحة أمام المتظاهرین تضمن لهم تحقیق النصر.
عندئذٍ سیقوم المجتمع الدولي بدعم الانتفاضة والشعب العراقي بکل تأکید. لأن شرعية الانتفاضة ومطالبها ستوقظ الضمائر وتبصر العمي وتسمع الصمّ وتسخّر القلوب.
تابع المزيد
@m_abdorrahman
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.