لماذا لن يصلح تخفيف العقوبات المشاكل الاقتصادية لإيران
المفاوضات بشأن البرنامج النووي لنظام الملالي جارية في قصر كوبورغ بفيينا
مع استمرار المفاوضات حول البرنامج النووي لنظام الملالي في فيينا، كان كبار مسؤولي النظام يكررون نفس المزاعم مرارًا وتكرارًا: يجب رفع جميع العقوبات. في السنوات القليلة الماضية، أصبحت العقوبات الأمريكية هي الشمّاعة التي يعلق عليها النظام مشاكله. حيث يلقي مسؤولو النظام باللوم على المشاكل الاقتصادية مثل الفقر والتضخم والبطالة وانخفاض قيمة الريال على العقوبات الأمريكية.
لكن هل ستزول المشاكل الاقتصادية لإيران إذا تم رفع جميع العقوبات؟
الحقيقة هي أنه خلال أكثر من أربعة عقود من الحكم الاستبدادي، أضرّ الملالي بالاقتصاد الإيراني بشكل لا يمكن إصلاحه. لقد أظهر التاريخ أن الاقتصاد الإيراني لن ينتعش من خلال إعطاء النظام كميات كبيرة من السيولة والوصول إلى القنوات المالية الدولية. وهذه المرة، إذا تغيرت الأمور، فستكون للاسوأ فقط.
الإنتاج المحلّي في حالة من الخراب
تحتاج الدورة الاقتصادية السليمة إلى بنية تحتية قوية للإنتاج من مصانع، وشركات، ومؤسسات لتصنيع المنتجات، وخلق الوظائف، وتوليد الثروة، وتوظيف المواهب الجديدة لخريجي الجامعات، بالإضافة إلى خلق الفرص لمؤسسات جديدة.
ولكن عندما تنظر إلى إيران، فإن البنية التحتية للإنتاج واهية وغير قادرة على دعم الحياة. الشركات الكبيرة مثل هیبکو وشرکة هفت تبه للقصب السكر، التي كانت رمزًا للقوة الاقتصادية لإيران، لم يتبقى منها سوى مجد الماضي. لم يكن تراجع وتدهور تلك الشركات بين عشية وضحاها أو نتيجة للعقوبات الاقتصادية. لقد حدث ذلك من خلال عقود من الفساد والسياسات المدمرة، والخصخصة الاحتيالية للشركات المملوكة للحكومة لفساد الأفراد المرتبطين بالنظام.
في الوقت نفسه، تم إيقاف نشاط عدد من المجالات الحيوية الأخرى مثل الزراعة وتربية المواشي جرّاء السياسات البيئية المدمرة للنظام.
وفي الوقت نفسه، فإن احتكار قوات حرس نظام الملالي للصناعات المختلفة والإنتاج المحلي جعل من الصعب على رواد الأعمال الإيرانيين إطلاق أعمالهم التجارية الخاصة والمنافسة في السوق الإيرانية. تسيطر قوات حرس نظام الملالي والمرشد الأعلى للنظام علي خامنئي على الكثير من الصناعات الإيرانية من خلال منظمات مثل أستان قدس رضوى، ولجنة تنفيذ أمر الإمام الخميني، ومؤسسة الشهداء والمحاربين القدامى، وخاتم الأنبياء.
كما أدّت سيطرة قوات حرس نظام الملالي على موانئ إيران وحدودها، إلى أعمال استيراد معفاة من الضرائب والجمارك مما نتج عنه أرباح ضخمة للنظام على حساب الإنتاج الوطني. حيث تم إغلاق ورش العمل والمصانع والشركات المحلية بسبب نفوذ قوات حرس نظام الملالي في السوق.
في هذه المرحلة، يجب على الشعب الإيراني إما أن يختار أن يلقى نصيبه مع النظام وأن يصبح جزءًا مما أصبح يُعرف باسم “المافيا” التي تسيطر على صناعات مختلفة أو الخروج من إيران واستثمار ثرواتهم في مكان آخر.
وهذا هو السبب الرئيس في أن إيران تواجه نزيفاً هائلاً للعقول. في كل عام، يهاجر مئات الآلاف من خريجي الجامعات والأطباء والمهندسين وغيرهم إلى بلدان أخرى، حيث يكون لديهم فرصة أكبر لتحقيق النجاح.
من غير المرجح أن يتغير هذا إذا تم رفع العقوبات لأن قوات حرس نظام الملالي ستستمر في الحفاظ على سيطرتها على الاقتصاد الإيراني. إن هجرة المواهب الإيرانية تساوي أكثر بكثير من عائدات النفط في البلاد.
سوق الأوراق المالية غير مستقر
تتمثل إحدى طرق الوصول إلى النمو الاقتصادي في جذب الاستثمار الأجنبي في سوق الأوراق المالية في البلاد. إذا كان لديك سوق أسهم صحي ومستقر، فسوف ينجذب المستثمرون الأجانب في شركاتك، الأمر الذي سيزيد من تدفق رأس المال ويخلق فرصًا جديدة لخلق الوظائف والأموال.
لكن سوق الأسهم الإيرانية ليس مستقراً على الإطلاق. حيث يتم السيطرة عليه والتلاعب به من قبل قوات حرس نظام الملالي. وفي عام 2020، شجّع كبار المسؤولين في النظام، بمن فيهم الرئيس آنذاك حسن روحاني والمرشد الأعلى علي خامنئي، الناس على الاستثمار في البورصة. أدّى التفاؤل المصطنع وغير المبرر إلى تضخم سوق الأسهم بشكل مصطنع وجذب الآلاف من الناس العاديين للاستثمار في الأسهم الإيرانية.
ولكن بعد فترة وجيزة، انفجرت الفقّاعة وانهار سوق الأسهم. تم محو مليارات الدولارات من السوق في غضون أيام. حققّت قوات حرس نظام الملالي، الذي كان يمسك بالخيوط ويرسم مخطط بونزي، أرباحًا ضخمة. بينما حصل المواطنون على الفتات.
في الوقت نفسه، تسبب هذا التلاعب في السوق من قبل الحكومة، في تدمير آخر بقايا الثقة التي بقيت في سوق الأسهم الإيرانية. أي مستثمر عقلاني سيفكر ملياً قبل الاستثمار في الأسهم الإيرانية لأنه أصبح واضحاً أن الرقم المعروض على لوحة الإعلانات في بورصة طهران للأوراق المالية لا يعكس القيمة الحقيقية لسوق الأوراق المالية الإيرانية.
لذلك، حتى لو تم فتح جميع القنوات المالية والتجارية لإيران، فسيجد النظام صعوبة كبيرة في جذب الاستثمار الأجنبي والنفط للدخول في عجلة الاقتصاد.
أوضاع سياسية مضطربة
أخيرًا، حتى لو تم رفع جميع العقوبات وإزالة جميع العقبات، لا تزال إيران تواجه مشاكل أخرى تمنعها من الانضمام إلى دورة التجارة الدولية.
أي شخص يريد القيام بأعمال تجارية مع إيران يجب أن يمرّ عبر قوات حرس الملالي، الذي يمتلك سيطرة كبيرة على جميع الشركات الكبرى تقريبًا.
في الوقت نفسه، تشارك قوات حرس نظام الملالي في الكثير من الأنشطة غير المشروعة، بما في ذلك غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في الشرق الأوسط، وانتهاكات حقوق الإنسان، واحتجاز الرهائن، وغير ذلك.
النظام مدرج على القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي (FATF) لافتقاره للشفافية المالية. ويعاقب العديد من المسؤولين الرئيسيين في النظام والمؤثرين الاقتصاديين لدورهم في أنشطة غير مشروعة. هذه كلها مشاكل لن تختفي إذا تم رفع العقوبات النووية.
وكمثال على ذلك، خلال رئاسة محمود أحمدي نجاد، وصلت مبيعات النفط الإيرانية إلى مستويات غير مسبوقة. لكن الاقتصاد استمرّ في الانهيار، واستمرّت البطالة والفقر في الارتفاع، واستمر الرضا العام في الانخفاض. أيضًا، حدثت انتفاضات 2017-2018 على مستوى البلاد بينما لم يكن نظام الملالي خاضعًا لأي عقوبات متعلقة بالمجال النووي وكان يتمتع بشكل كامل بالمزايا الاقتصادية للاتفاق النووي لعام 2015.
باختصار شديد، لن يتم حل مشاكل إيران الاقتصادية عن طريق ضخ السيولة في الأسواق. فهي مشكلات متأصلة بعمق في طبيعة النظام الحاكم لإيران. وبدون تغيير النظام لن يكون هناك ازدهار اقتصادي.