إيران: القمع، ردّ يائس على الاضطرابات المتزايدة
منذ بداية شهر يناير/ كانون الثاني، وردت العديد من التقارير بشأن قيام سلطات النظام بقمع نشطاء المعارضة والسجناء السياسيين. ومع ذلك، كانت هناك علامات مستمرة على الاضطرابات العامة وتحدي دعاية الدولة التي تسعى جاهدة لتقديم صورة من القوة والدعم الاجتماعي الواسع للملالي.
وفي 5 يناير/ كانون الثاني، أضرمت وحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية، النار في تمثال لقائد فيلق القدس الهالك “قاسم سليماني”.
جاء حرق تمثال سليماني في شهر كرد بعد ساعات فقط من إزاحة الستار عنه، ولم يكن سوى أحدث مثال على احتجاج وتحدي من قبل المجتمع الإيراني المضطرب الذي يتوق إلى التغيير. يتم باستمرار إحراق صور ولافتات أخرى لسليماني في عدد من المدن في جميع أنحاء إيران.
في نوفمبر/ تشرين الثان 2019، شارك سكان ما يقرب من 200 مدينة وبلدة إيرانية في انتفاضة من خلال ترديد شعارات مثل “الموت للديكتاتور” وتسليط الضوء على تنامي الدعم الشعبي لتغيير النظام. رداً على ذلك، أطلقت سلطات النظام النار وقتلت حوالي 1500 شخص في غضون عدة أيام فقط.
وبعد أشهر، نفذّ قضاء نظام الملالي حملة تعذيب ممنهج ضد المعتقلين. في ذلك الوقت، كان القضاء بقيادة إبراهيم رئيسي، المعروف بلعبه دورًا رائدًا في مذبحة 30000 سجين سياسي خلال صيف عام 1988. بعد أقل من عامين على الانتفاضة، تم تنصيب رئيسي كرئيس جديد للنظام، في خطوة فسّرها العديد من المراقبين على أنها مكافأة على عقود من الخدمة التي قضاها في قمع النظام للمعارضة.
توقع العديد من هؤلاء المراقبين أن وصول رئيسي إلى الرئاسة من شأنه أن يسرّع نمط الحملات التي بدأت في أعقاب انتفاضة يناير/ تشرين الثاني 2018 واستمرّت في أعقاب انتفاضة نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، والاحتجاجات على كارثة إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية الرحلة رقم 752 وما بعدها. تدعم تقارير شهر يناير/ كانون الثاني بشأن الانتهاكات التعسفية والمضايقات هذه التوقعات، وكذلك حقيقة أن نظام الملالي بالفعل، وهو أكبر جلاد للمواطنين الإيرانيين، قد صعّد بشكل حاد من عمليات الإعدام في أعقاب تعيين رئيسي.
أنهى نظام الملالي عام 2021 بمتوسط إعدام واحد على الأقل يوميًا ومن المرجح أن تزداد تقديرات العدد الإجمالي لعمليات القتل التي تقرها الدولة مع استمرار تدفق المعلومات إلى وسائل الإعلام من شبكات الناشطين الإيرانيين.
وفي 9 يناير / كانون الثاني، أصبح ناشط يدعى محمد جواد وفايي، أول سجين سياسي معروف يحكم عليه بالإعدام في عام 2022. وصدر الحكم بعد أن أمضى بالفعل قرابة عامين رهن الاعتقال دون إدانة، بعد اتهامه بدعم منظمة مجاهدي خلق الإيرانية و “الفساد في الأرض”.
قبل أيام قليلة من إدانة وفايي، وبعد يوم واحد فقط من حرق تمثال سليماني، حُكم على ثلاث ناشطات بالسجن لمدد تتراوح بين عامين وخمسة أعوام بتهمة “التآمر للعمل ضد الأمن القومي” من خلال التعاون مع منظمة مجاهدي خلق. أصغر هؤلاء النساء تبلغ من العمر 59 عامًا وأكبرها تبلغ من العمر 69 عامًا، وقد أمضت النساء الثلاث وقتًا في السجن بسبب نشاطهن الشبابي في منظمة مجاهدي خلق خلال فترة الثمانينيات.
حتى فترات الاحتجاز القصيرة في إيران يمكن أن تهدد حياة الأشخاص المتقدمين في السن أو الذين يعانون من سوء الحالة الصحية، كما يتضح من التقارير الأخيرة بشأن محنة سجين سياسي آخر يدعى مهدي صالحي شاهرخى. حيث عانى شاهرخى البالغ من العمر 38 عامًا والذي كان مشاركًا في انتفاضة يناير 2018 من آثار مزدوجة لمرض في القلب وجرح في الرأس أصيب به وقت القبض عليه، لكنه نُقل إلى مستوصف السجن الشهر الماضي فقط، بعد تأخيرات طويلة.
في التقرير الأخير، كان شاهرخى في غيبوبة طبية بعد إصابته بجلطة ناتجة عن حقنه بدواء خاطئ. ومع ذلك، لا يزال تحت حراسة مشددة، ومُنعت أسرته من زيارته. مثل هذه المعاملة السيئة نموذجية للسجناء السياسيين وقد تكون آثارها قاتلة.
في مارس / آذار الماضي، أُطلق سراح سجينة سياسية أخرى تُدعى ليلى حسين زاده بعد أن قضت عامين ونصف العام مما كان في البداية عقوبة بالسجن ست سنوات، لأن الفحص الطبي خلص إلى أن الظروف في سجن إيفين قد تعرض حياتها للخطر. لكن في خضمّ القمع الحالي، تم استدعاؤها لبدء قضاء عقوبة بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة “التجمع والتواطؤ ضد الأمن القومي”، بناءً على تنظيمها لتجمع طلابي صغير لدعم سجين سياسي آخر.
تظهر عودة حسين زاده إلى سجن إيفين اعتزام النظام على قتل المعتقلين السياسيين من خلال الإساءة واستغلال المخاطر الصحية. يمكن توقع تسريع هذه الممارسة جنبًا إلى جنب مع معدل عمليات الإعدام الرسمية، حيث تواصل السلطات بقيادة إبراهيم رئيسي قمع النشاط المناهض للحكومة، لا سيما ما يرتبط بمجاهدي خلق الإيرانية. كانت منظمة مجاهدي خلق الهدف الرئيسي لـ “لجنة الموت” التي كان رئيسي عضوًا فيها، خلال مذبحة عام 1988. كان للمنظمة الفضل على نطاق واسع في الترويج للشعارات المناهضة للحكومة وتسهيل الانتفاضات الوطنية في كل من 2018 و2019. كما أحرقت وحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق العشرات لقاسم سليماني في الأسابيع التي سبقت إزاحة الستار عن تمثاله في شهر كرد.
تظهر الأعمال الانتقامية الأخيرة والمستمرة أن النظام يتخذ إجراءات أقوى لمحاولة تعطيل شبكة منظمة مجاهدي خلق ومعاقبة أي حركة معارضة عامة. يجب على المجتمع الدولي ألا يقف مكتوف الأيدي ويسمح بحدوث ذلك. بدلاً من ذلك، يجب على الأمم المتحدة والدول الأعضاء الرئيسية فيها ممارسة الضغط على نظام الملالي بسبب انتهاكاته السابقة لحقوق الإنسان من أجل إثبات أنه لن يتم التسامح مع المزيد من نفس الممارسات، على الأقل في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد المواطنين الإيرانيين الذين يضغطون من أجل الحرية والديمقراطية في وطنهم. يجب أن تنتهي ثقافة الإفلات من العقاب.