هروب رأس المال من دوامة سوق طهران المنهارة
في الأيام التي أعقبت وقف إطلاق النار، لا تزال سوق رأس المال الإيرانية غارقة في دوامة من انعدام الثقة والخوف وهروب رأس المال. فمؤشر البورصة، الذي كان يُطرح في السابق كأحد معايير صحة اقتصاد البلاد، تحول اليوم إلى رمز للأزمة الاقتصادية، مع انخفاضات متتالية وخروج مبالغ ضخمة من رأس المال. ففي الأيام الثلاثة الأولى من إعادة فتح السوق بعد إغلاق دام تسعة أيام، خرج أكثر من تسعة آلاف مليار تومان من الأموال الحقيقية من السوق، وهوى المؤشر العام بأكثر من مئة وثمانين ألف نقطة. هذا الوضع لا يكشف فقط عن عمق الأزمة في سوق رأس المال، بل يظهر أيضاً جذوراً أعمق في النظام الاقتصادي والحكم لنظام ولاية الفقيه، تنبع من انعدام الثقة، وغياب الدعم الفعال، والتدخل الواسع للدولة في الاقتصاد.
لقد أعيد فتح سوق رأس المال بعد الإغلاق القسري الناجم عن التوترات الأخيرة، بوعود بتقديم الدعم، لكن هذه الوعود سرعان ما تلاشت. ففي اليوم الأول، انخفض المؤشر الرئيسي بأكثر من خمسين ألف نقطة، وفي الأيام التالية، استمر هذا الاتجاه بقوة أكبر. وكان ضغط العرض شديداً لدرجة أن أكثر من 99% من الأسهم أُغلقت على انخفاض، واختفى الطلب عملياً من معادلات السوق. إن خروج آلاف المليارات من التومانات في أيام متتالية يكشف عن ذعر عميق بين المستثمرين. وهذا الهروب لرأس المال، أكثر من كونه نتيجة لتحليلات أساسية، ينبع من الصدمات الممنهجة، وانعدام الثقة، وعدم القدرة على التنبؤ بالوضع السياسي.
وقد عادت إحدى الانتقادات الرئيسية إلى أداء المؤسسات الرقابية، وخاصة البنك المركزي. فقد انتقد محمدرضا بور إبراهيمي، أمين اللجنة الاقتصادية في مجمع تشخيص مصلحة النظام، صراحة تقاعس البنك المركزي، متسائلاً: كيف يمكن لهذه المؤسسة أن تمنح بنكاً معيناً تسهيلات ضخمة خارج الضوابط القانونية، لكنها لا تتخذ أي إجراء فعال لتحقيق الاستقرار في سوق رأس المال، الذي يلعب دوراً هاماً في تعزيز النظام المصرفي؟ هذا الانتقاد يشير إلى التوزيع غير العادل للموارد والأولويات الخاطئة في النظام المالي للبلاد.
ويعتقد المحللون أن التغييرات الهيكلية في تركيبة المتعاملين في السوق على مدى السنوات الخمس الماضية قد غذت السلوكيات العاطفية. ففي السنوات الأخيرة، ومع الدعاية الواسعة لدخول الناس إلى البورصة، دخل العديد من الأفراد هذا السوق دون معرفة أو خبرة كافية. هذه المجموعة، التي تشكل جزءاً كبيراً من المتعاملين الحاليين في السوق، تلجأ بسرعة إلى البيع في مواجهة الصدمات الممنهجة مثل التوترات الأخيرة. هذه السلوكيات العاطفية، التي حلت محل التحليلات الأساسية، أدت إلى تشكيل طوابير بيع ضخمة وأغرقت السوق في دائرة من انعدام الثقة وهروب رأس المال.
ولكن، أبعد من المشاكل الفنية والإدارية لسوق رأس المال، يجب البحث عن جذور الأزمة الحالية في البنية الاقتصادية والحكم لنظام ولاية الفقيه. يشير الاقتصاديون إلى أن حوالي 90% من الاقتصاد الإيراني يخضع لسيطرة القطاع الحكومي وشبه الحكومي، ولا يُخصص سوى 11% منه للقطاع الخاص. هذا الاحتكار أضعف الشعور بملكية موارد البلاد بين المواطنين وأدى إلى تدهور حاد في رأس المال الاجتماعي للحكومة. وقد أشار اقتصاديون آخرون إلى الخسائر الفادحة لهذا النمط من الإدارة، مستشهدين بمثال إهدار ما يعادل عشرين مليون دولار يومياً من الغاز المحروق، وهو مجرد واحدة من تبعات إقصاء القطاع الخاص عن الاقتصاد.
إن سوق رأس المال الإيرانية، التي كان من المفترض يوماً ما أن تكون محركاً لاقتصاد البلاد، أصبحت اليوم غارقة في دوامة من انعدام الثقة وهروب رأس المال وفشل السياسات. إن خروج آلاف المليارات من التومانات من رأس المال في ثلاثة أيام ليس سوى علامة على عمق هذه الأزمة. لكن جذور الأزمة تكمن في الاحتكار الاقتصادي، وإقصاء القطاع الخاص، وتآكل رأس المال الاجتماعي. لقد تحولت سوق رأس المال، التي كان من المفترض أن تكون رمزاً لمشاركة الشعب في الاقتصاد، إلى مرآة لفشل نظام أصبح الاحتكار والاستبداد السياسي سمته البارزة والواضحة.