محادثات فيينا الخاصة بخطة العمل المشتركة الشاملة بشأن إيران لن تكون مجدية
استمرت محادثات فيينا، التي تتوقف ويتم استئنافها منذ بضعة أشهر، بشأن إحياء خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA). وأقرّت جميع الأطراف مرارًا وتكرارًا أن المفاوضات قد وصلت إلى مرحلة حرجة للغاية، وتم الإعلان عن مواعيد نهائية وإنذارات لا معنى لها لإضفاء الشرعية على هذه المفاوضات.
قال متحدث باسم البيت الأبيض مؤخرًا إن “الاتفاق الذي يعالج المخاوف الأساسية لجميع الأطراف بات وشيكًا، ولكن إذا لم يتم التوصل إليه في الأسابيع المقبلة، فإن التقدم النووي المستمر لنظام الملالي سيجعل من المستحيل علينا العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة”
وقال متحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية لنظام الملالي: “الشروط جاهزة لاتفاق يربح فيه الجميع”. وأضاف أنه للأسف الشديد “كان من حقنا أن نطلب رفع جميع العقوبات، لكن الخصم وافق فقط على إزالة بعضها”.
تحاول الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية إقناع جمهورية الملالي، وفي بعض الأحيان، إجبارها على التراجع عن التقدم التقني للتخصيب خلال العام أو العامين المنصرمين، وذلك من خلال تقديم حوافز من جميع الأنواع. وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال، فإن الاتفاق الذي يقصر الوقت الذي يستغرقه بناء قنبلة ذرية يثير شكوكًا جديدة حول قدرة بايدن على التوصل إلى اتفاق أطول وأكثر فاعلية تعتقد الحكومة أنه سيحد من مسار النظام نحو الحصول سلاح نووي.
من غير المحتمل أن يتم التوقيع على معاهدة جديدة في الأسابيع المقبلة، حيث يقرّ الجانبان أنهما بحاجة إلى إحراز مزيد من التقدم في المفاوضات. في هاوية الانهيار الاقتصادي وخوفها من الاضطرابات والاحتجاجات الواسعة من قبل الشعب الإيراني، تحتاج حكومة الملالي إلى رفع فوري وشامل للعقوبات. يبدو أن الحكومة الأمريكية الحالية وحلفائها الأوروبيين يرون أن صورتهم العالمية قد تضررت إذا لم يتمكنوا من التوصل إلى نوع من الاتفاق مع نظام الملالي بعد أن اختارت إدارة ترامب التخلي عن خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015.
كان كلا الجانبين يفصلان ويتجادلان حول العديد من الشروط المسبقة والاختلافات لفترة طويلة. ومع ذلك، هناك خلافات أخرى حول التوقيع على اتفاقية جديدة (إذا تحقق ذلك)، وهو أمر جدير بالملاحظة. أحد الأمثلة على ذلك هو رفع العقوبات النووية. هناك بعض العقوبات التي أظهرت الحكومات الغربية بعض العلامات الإيجابية لرفعها إذا تراجع النظام عن تقدمه النووي.
ومع ذلك، فإن النظام في طهران غير مستعد للقيام بذلك، ما لم يتم “التحقق” من رفع العقوبات النووية من قبل النظام نفسه، ووفقًا لتصريحات المرشد الأعلى لنظام الملالي علي خامنئي. فإن هذه عقبة أخرى أمام المفاوضات من قبل نظام الملالي بهدف كسب ميزة. أي، يجب على نظام الملالي أولاً التحقق مما إذا كانت العقوبات قد تم رفعها بشكل فعّال أم لا، وبعد ذلك ستبدأ عملية وقف تخصيب اليورانيوم، وسيتم وضع قيود على المنشآت النووية للنظام، وما إلى ذلك.
بمعنى آخر، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق وتم التوقيع عليه، فإن النظام يريد شراء بضعة أشهر لنفسه بحجة “التحقق”. نقطة خلاف أخرى هي العقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي لنظام الملالي التي يمكن رفعها والتي تتعلق بإرهاب النظام، والتدخل الإقليمي، وحقوق الإنسان، وغسيل الأموال، وما إلى ذلك. وتجدر الإشارة إلى أن العديد من المسؤولين في قوات حرس نظام الملالي وغيرهم من كبار المسؤولين الحكوميين قد تمت مقاضاتهم أو معاقبتهم دوليًا لتورطهم في الإرهاب والتهريب وغسيل الأموال.
ما هو الوزن السياسي الذي يمكن أن يكون لخطة العمل الشاملة المشتركة الجديدة “الناجحة” على المسرح الدولي؟ لماذا هناك الكثير من الجدل حول هذه المفاوضات؟ هل سيؤدي التوصل إلى اتفاق مع نظام الملالي إلى تخفيف مخاوف المجتمع الدولي من النوايا النووية الخبيثة لنظام الملالي؟
هل يمكن الوثوق بنظام الملالي في الوفاء بالتزاماته المنصوص عليها في الاتفاقية الجديدة؟ قد يختلف المرء مع هذا التفاؤل، بناءً على ما علمنا إياه التاريخ وعلى فهم المصدر الدقيق للقضية. هذا هو المأزق الأساسي لعلاقة جمهورية الملالي مع الغرب، وخاصة مع الولايات المتحدة.
إن سياسة النظام المعادية لأمريكا، والضرب على وتر تدمير إسرائيل وما شابه، حالت دون دخول هذه الحكومة إلى الساحة الدولية والسوق العالمية وإقامة علاقات طويلة الأمد مع الغرب. المفارقة بخصوص جمهورية الملالي أنها بحاجة ماسّة إلى دخول الساحة الدولية والتعامل مع الغرب لإعادة بناء وإحياء اقتصادها المفلس. إن اقتصاد البلاد ينهار في ظل سوء الإدارة والفساد الهائل لهذا النظام. يعتقد المحللون بالإجماع أن الانهيار الاقتصادي المستمر يؤدي إلى سقوط النظام برمته.
وفقًا للعديد من الاقتصاديين في إيران، فإن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة وزيادة الوصول إلى السوق الغربية من شأنهما مساعدة اقتصاد البلاد المتداعي لفترة من الوقت و”يؤخر سقوط النظام لمدة عامين أو ثلاثة أعوام”. من ناحية أخرى، لا يمكن للنظام أن يتخلى عن أيديولوجيته المعادية لأمريكا، وأن يتوقف عن حشد البلطجية ضد “الشيطان الأكبر”، واستخدام وكلائه في العراق ولبنان واليمن وسوريا … لمهاجمتهم.
تعمل هذه الهجمات الإرهابية والخطاب المعادي لأمريكا على الحفاظ على تماسك الجماعات الموالية لها داخل إيران وخارجها. وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل إيران، وفقًا لمصادر مختلفة، قد انخرطت في مفاوضات مباشرة وسرية مع المسؤولين الأمريكيين في أوقات مختلفة لكنها لم تعترف بذلك أبدًا. يحتاج نظام الملالي إلى الحفاظ على واجهته المعادية لأمريكا في سياساته وسلوكه في المنطقة.
إن الثقة بنظام الملالي هي أمنية أكثر من كونها حقيقة، وحتى إذا تم الاتفاق على خطة العمل الشاملة المشتركة الجديدة، فلن يكون ذلك علاجًا لقلق المجتمع الدولي من أنشطة النظام النووية والإرهابية. إن الأزمة التي يواجهها نظام الملالي أعمق بكثير ولا يمكن معالجتها من خلال التوقيع على اتفاقية وإلغاء تجميد الأموال، على أمل أن يؤدي ذلك إلى تحسين الظروف المعيشية للمواطن العادي.
الحل الحقيقي
ونتيجة لذلك، فإن الأزمة النووية، والأزمة الدولية لنظام الملالي، ستستمر، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق غدًا. إن الإضرابات المستمرة والاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات التي تقوم بها قطاعات مختلفة من المجتمع الإيراني في جميع أنحاء البلاد تحمل رسالة واحدة لا يمكن إنكارها ولا لبس فيها: أن الشعب الإيراني لا يثق بالملالي، ولا ينبغي أن يثق المجتمع الدولي بهم. هناك مخرج واحد فقط من هذا المأزق، وهو تغيير النظام على يد الشعب الإيراني.